الاثنين، 9 أغسطس 2010

عقول.. و«عجول»

بقلم د. محمود عمارة ٩/ ٨/ ٢٠١٠
============================

أتيحت لى عدة لقاءات مع كبار المسؤولين عن الزراعة حول العالم.. آخرها الشهر الفائت مع وزير الخارجية السودانى السابق والمستشار الحالى للرئيس البشير.. واستمر النقاش عن كيفية الاستعداد للترويج والتسويق وغزو الأسواق العالمية للمنتجات الزراعية، التى ستبدأ بشائرها هناك.. وصاحب الدعوة الأخيرة هو صديقنا الناشط واللامع «ماجد الشربينى» عضو الأمانة العامة للحزب الحاكم.. (الحزب الذى لا يستمع إلى رأى أو تجربة أى ناقد لسياساته التى دمرت الزراعة فى المحروسة)!

واندهشت عندما قارنت بين «الفكر الجديد» للحكومة السودانية، و«الرؤية» المستقبلية الواضحة، «والإرادة» الحديدية فى التصميم على إحداث «طفرة» غذائية على أرض السودان، وبين التخبط، والهرجلة، والتهريج، وفقر الفكر لدى القائمين على شؤون الزراعة فى مصر، وعجزهم الفاضح عن إدارة أملاك الدولة، بتوحيد «جهة واحدة» للتصرف فيها، ولكن أكرر ما تعرفونه جميعا من تخريب لهذا القطاع الذى سينتهى بالمجاعة الحتمية..

وها هى أسعار القمح فى العالم ترتفع ٥٧٪ فى شهر يوليو، والمتوقع أن تشتعل ليصل سعر الطن من ١٦٠ إلى ٤٠٠ دولار،، ليعجز بطرس غالى عن تدبير الزيادة فى الدعم (مصر تستورد أكثر من ٩ ملايين طن ٤٠٠ دولارا- احسبها أنت لتعرف خطورة وثمن مقولة «شرا القمح ولا تربيته».. تاركين زراعة البراسيم الحجازى لتصديره كأعلاف لحيوانات الخليج، وعدم اقتناع الدولة بأهمية الاستثمار فى الزراعة أو لدعم محصول القمح لتأمين رغيف الخبز الذى ستعود إليه الطوابير، وضرب النار!

فجأة فى الأسبوع الماضى «تذكر الرئيس» أن هناك مشكلة فى غابة الإجراءات والقوانين المتضاربة التى تحكم التصرف فى الأراضى الصحراوية، بعد أن فاحت رائحة الشياط على الطريق الصحراوى، واختلاط الحابل بالنابل!

فأصدر سيادته «قراراً جمهورياً» احتار جهابذة الحكومة فى تفسيره، فخرج بعضهم «يفت» (من الفتة بالكوارع)، وهات يا تصريحات تهنئ الشعب المصرى بالنصر المبين، وكأن كلمة «حق الانتفاع» التى وردت بالقرار هى «الدستور».. و«الحل»، وأن الإنتاج سيتضاعف، وستختفى البيروقراطية العقيمة ومعها الروتين العفن، وأن خزانة الدولة ستمتلئ بالذهب والفضة.. وهم لا يعلمون أن كل هذه «الفرقعات مجرد ضجيج بلا طحين لإشغال الناس، وإثارة البلبلة، وكأنها ناقصة شوشرة»!

والحقيقة أن هذه الدولة الفاشلة تفتقر إلى «الإرادة السياسية»، ومنعدمة «الرؤية»، وليست لديها سياسات أبعد من ردود الأفعال، والدليل:

أن وزير الزراعة اعترف فى «العاشرة مساءً» بأن الوزراء مختلفون ومنقسمون ولم يحسموا حتى الآن: ما هى الجهة التى يجب أن تكون لها الولاية للتصرف وحدها فى أراضى الدولة بدلاً من الـ١١ جهة الحالية؟.

والثانى: أن رؤوس الدولة فى المؤتمر الأخير للحزب الحاكم أعلنوا أن العصر الذهبى للفلاح قد بدأ.. وبعد عام أفلس الفلاحون، وتركوا الأرض بوراً لملاكها!

والثالث: أن وزارة الزراعة أعلنت الأسبوع الماضى وبعد خمس سنوات أنها تحتاج إلى ٣٩٠ مليون جنيه لإعادة هيكلة الوزارة و«إن شاء الله» ستضع سياسات جديدة بعد الهيكلة (وابقى قابلنى فى المشمش)!!

والرابع: رئيس الوزراء المختفى دائماً «طالب بالأمس الإحدى عشرة جهة فى الوزارات المتنازعة بتحديد أوجه التضارب فى القوانين، وحدد لهم نهاية العام لتقديم مذكرة فى الموضوع.. مما ذكرنى بنكتة: «جحا، والملك، والحمار»!!

المصيبة أن الكل ضارب لخمة ومحتاسين، وكأننا نخترع «العجلة»، ونحتاج إلى فيمتو ثانية، أو نانو تكنولوجى «للغش» من تجارب الآخرين.. التى «نشف ريقى» من تكرار الحديث عنها فى «التجربة الفساوية»، و«الموزمبيقية»، و«المغربية».. وكأننا نؤذن فى مالطة!!

وبما أن التكرار يعلم الشطار.. فها هو الحل فى «التجربة السودانية» بخصوص «حق الانتفاع».. «وتوحيد الجهة».. «وتلخيص الإجراءات»:

أولاً: تتكفل «وزارة الاستثمار» بكل ولاية فى التصرف وحدها بأملاك الدولة «بحق الانتفاع» لغير السودانيين!!

ثانياً: سعر الفدان يتراوح الآن من ١٥٠ : ٢٠٠ دولار (حسب الموقع من الخدمات).

ثالثاً: مدة عقد الانتفاع «أبدية».. وحتى لا يتلاعب المستثمر بتغيير النشاط من زراعى إلى نشاط آخر.. فالمدة الأولى بالعقد هى ٢٥ سنة، تجدد تلقائياً حتى مائة عام.. لينقلب عقد «حق الانتفاع» أوتوماتيكياً إلى «عقد ملكية حر» طالما أن النشاط الزراعى مستمر.

رابعاً: القيمة الإيجارية السنوية: دولار أمريكى واحد من كل فدان.. ورسوم تجديد العقد كل ٢٥ سنة هى ٢٠ دولاراً لكل فدان.

خامساً: على كل مستثمر تجهيز ٢٥٪ من المساحة التى يحصل عليها «بئر ارتوازية» لكل مائة فدان، ويسلمها بالبئر إلى الدولة لتتولى الحكومة المحلية توزيعها بالمجان على أهالى وشباب المنطقة المحيطة بالمشروع. (البئر تتكلف ٣٠ ألف دولار).

سادساً: الشرط الوحيد الفاسخ للعقد هو: تغيير النشاط.. وبحكم القانون والدستور لا يحق للدولة مصادرة أو تأميم أو فسخ العقد لأى سبب آخر سوى للمنفعة العامة مثل حق الملكية (الحكر) للسودانيين.

وبهذه البساطة، ولهذه الشفافية، وبفضل «عقول» السودان المسؤولة.. هرولت آلاف الشركات العربية، والمصرية، والأجنبية للاستثمار بقطاعى الزراعة والثروة الحيوانية، وقريباً فى التصنيع الزراعى لتصبح السودان بعد عشر سنوات سلة غذاء المنطقة (الجنيه السودانى بقى بـ٢.٢ج مصرى وسيصل إلى ٣ج)، ولهذا أتوقع أن تكون هى «وجهة الهرب» «للشباب المصرى بدلاً من إيطاليا واليونان.. وأخشى ما أخشاه أن يتدهور بنا الحال لنرى المصريين بعد عشر سنوات يقفون فى طوابير يتسولون معونات غذائية من أم درمان.. بعد أن فشلنا وعجزنا عن إدارة مواردنا، وتعظيم مميزاتنا.. وانشغلنا بالتوريث، وجدو، ومسلسلات رمضان وسهر الليالى.، ولا أحد يبالى!!

وهذا هو الفارق بين عقول تحلم، وعجول تعلف!!

(ولله فى خلقه شؤون)

بحيرة جمال.. «السد العالى سابقاً»‏

بقلم د. محمود عمارة ٢/ ٨/ ٢٠١٠
--------------------------------------------

سؤالى: ماذا لو أن «أمين السياسات» تبنى هذه الفكرة التى سأطرحها الآن، لينفق من عائدها على كل الـ٤٢٠٠ قرية التى ستصبح كلها أكثر فقراً وعشوائية وأقرب مما يتصور أحد؟

والفكرة: أن لدينا أكبر مسطح مائى صناعى فى العالم، بمساحة ١.٢٥٠ مليون فدان مائى.. تكوّن نتيجة لإنشاء السد العالى، واستمر التخزين لسنوات طويلة حتى استقر المنسوب عند ١٧٨ متراً، وما زاد على ذلك يتم تصريفه بمضيق توشكى حفاظاً على أمان السد.. «ولن أتحدث عن باقى البحيرات الـ٨ الأخرى من البرلس إلى قارون»!

وهذه «البحيرة العملاقة» تمتد بطول ٣٥٠ كم، وبعرض ١٨ كم فى المتوسط، ويوجد بها «خيران»، وعددها ٨٥، وأهميتها فى ارتفاع مستوى القاعدة الغذائية من الطحالب والأعشاب، وبالتالى ارتفاع إنتاجية الأسماك.

وهذا المسطح الهائل تابع لوزارة الزراعة ممثلة فى «الهيئة العامة لتنمية البحيرة» بالقرار الجمهورى رقم ٣٣٦ لسنة ٧٤ بغرض تنمية الثروة السمكية، وأنشئت له «إدارة مركزية» بأسوان، بالإضافة إلى «هيئة الثروة السمكية بالقاهرة، ومعمل مركزى لبحوث الأسماك، ومعهد دولى للأسماك بالعباسة شرقية، ومعهد بحوث تكنولوجيا الغذاء، ومعهد بحوث صحة الحيوان، وهيئة الخدمات البيطرية، ومشروع لتنمية الصادرات السمكية.. وجمعيات أهلية تحصل على معونات بغرض تنمية هذه الثروة ورغم كل هذه «الزيطة والزمبليطة» وبعد ٣٦ سنة من القرار الجمهورى.. ماذا حدث؟

«فضيحة بجلاجل» يتستر عليها الجميع.. فكل إنتاجنا السنوى من هذا المسطح العملاق أقل من ٢٠ ألف طن سنوياً.. وهو ما يعادل إنتاج «مزرعة الحاج عبدالوهاب شبار وأولاده» بكفر الشيخ!!

وإذا حسبناها بالورقة والقلم سنجد أن كيلو البلطى يكلف الدولة ٣٥ جنيهاً، وكله على حساب صاحب المخل.. وانتهت القصة بأننا نستورد ٢٥٠ ألف طن من نفايات الأسماك الروسية، والفيتنامية ستزداد إلى مليون طن سنوياً بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن مع الانفجار السكانى الهائل!!

والاقتراح المبنى على دراسات جدوى يقول ببساطة:

«إن هذه البحيرة بها ١٦٠ مليار متر مكعب مياهاً ثابتة فى المتوسط.. وإذا «رمينا» زريعة سمك واحدة بكل مترين (بالمزارع الخاصة ٤ سمكات بالمتر) فيصبح لدينا ٨٠ مليار سمكة بلطى أو بياض وزنها ٥٠٠ جرام يساوى ٤٠ مليون طن أسماك سنوياً وهو ما يعادل استهلاك الصين وحدها!!

وهنا نستطيع «إهداء» - مجاناً - الـ٥ ملايين طن التى تحتاجها كل دول أفريقيا، خاصة دول منابع النيل «لغرض فى نفس يعقوب»، ونرفع متوسط استهلاك الإنسان المصرى من ١٢ كجم إلى ٣٠ كجم كبروتين نظيف بدلاً من أرجل وهياكل ورؤوس الدواجن التى يقف عليها الآن طوابير بالملايين.. ولماذا لا يصبح البديل لطبق الفول الذى سيعجز الفقراء عن دفع ثمنه قريباً وجبة سمك مشوى أو مقلى كما هو حاصل الآن فى المغرب التى لا تملك بحيرة ولا نهراً.. فقط ٣٥٠٠ كم شواطئ على المحيط والبحر الأبيض، مثلنا تماماً، ٣٥٠٠ كم شواطئ على البحرين الأبيض والأحمر؟! ويبقى ١٥ مليون طن للتصدير طازجاً، ومملحاً، ومدخناً، ومعلباً، وللتصنيع فى الأدوية، ومستحضرات التجميل، ومساحيق للأعلاف.. ناهيك عن استخدامات جلود الأسماك وغيرها.. والأهم خلق ٣ ملايين فرصة عمل فى عمليات الصيد، والنقل والتخزين، والتبريد، والتصنيع، والتسويق المحلى، والتصدير، وفى باقى الخدمات الوسيطة والمصاحبة!!

والسؤال: ما هو المطلوب لتحقيق هذا الحلم؟

أولاً: الدعم السياسى.. ويكفى أن يتبناه «أمين السياسات» باعتباره ابن الرئيس ومرشح الحزب القادم، ويجعله مشروعه ليؤكد لنا من خلاله أنه قادر، وحالم، وراغب، ومؤمن بأننا فى ست سنوات نستطيع أن نصبح «نمراً» شرق أوسطى.

ثانياً: ٢٠٠ مليون دولار أى حوالى مليار جنيه «ما يعادل المسروق من العلاج على نفقة الدولة» وذلك لإنشاء مفرخات كافية لإنتاج الزريعة المطلوبة ولتطوير موانئ الصيد بأبوسمبل، وجرف حسين، وأسوان.

ثالثا: إصدار تشريع موحد، غير قابل للطعن عليه، مع تشديد العقوبات على المهربين طالما أننا سنفتح لهم مصادر مشروعة للرزق.

رابعاً: تفعيل دور المراكز البحثية، والأقسام المتخصصة بالجامعات مع الاستفادة القصوى من خبرائنا المحترمين، والمهمشين حالياً.. ولا مانع من استيراد فنيين وخبراء من جنوب شرق آسيا.

الخلاصة:

إن هذا المشروع القومى «لا يحتاج أكثر من قرار سياسى» يتبناه السيد جمال بنفسه، ويشرف عليه ويتابعه مثلما كان يفعل «الأب» من زيارات ميدانية ودعم معنوى للمشروعات الزراعية والصناعية بالمناطق النائية والجديدة قبل أن يصاب بالإحباط من وزارة الحاج عاطف عبيد التى خربت الاقتصادى القومى فى خمس سنوات!!

ولهذا فلا مانع من إطلاق اسم «جمال» على بحيرة السد العالى لنضرب «جمالين» بحجر واحد.. «جمال» عبدالناصر صاحب ومؤسس مشروع البحيرة الذى استخسروا واستكثروا عليه أن يظل اسمها «بحيرة ناصر» وحولوها إلى بحيرة السد العالى، و«جمال» مبارك إذا تبنى هذا المشروع وأحدث الطفرة المنشودة، وفى كل الحالات لن نخسر شيئاً؟!

تحذير هام:

إلى كل مسؤول فى مصر لديه ضمير أو ذرة عقل.. إذا كان هناك ٣٥ مخالفاً بنوا منتجعات بدلاً من زراعة الأرض.. فلماذا لا تعدموهم أو علقوهم من أرجلهم فى ميدان التحرير.. أو اسحبوا منهم الأرض بدلاً من معاقبة مليون مصرى جاد ومنتج!! إياك يا سيادة المسؤول الكبير أن تستمع فقط لوجهة نظر «الجهابذة الجدد» بشأن تطبيق نظام «حق الانتفاع» فى الأراضى الصحراوية، بغرض الزراعة دون حزمة إجراءات تشريعية وقانونية.. ودعم كامل مادى ومعنوى كما يحدث فى كل البلدان التى تعمل بهذا النظام وإلا فلن يستصلح أو يزرع فدان واحد، ولن تحصدوا سوى «ثورة الجياع» التى ستطيح بكم لتأكل الأخضر واليابس!! والتفاصيل عن «حق الانتفاع» ومخاطره، و«الإجراءات» التى يجب اتباعها، و«البدائل» فى المقال القادم بإذن الله.

ألف- باء.. يا أمين السياسات‏

بقلم د. محمود عمارة ٢٦/ ٧/ ٢٠١٠
----------------------------------------------

استكمالاً لموضوعنا: «من يحاسب جمال مبارك؟».. باعتباره المسؤول الأول عن وضع السياسات.. «السياسات» التى خربت قطاع الزراعة، «ودمرت» الثروة الحيوانية، والداجنة، والسمكية.. فى «بلد» كان يشتهر بأنه سلة غذاء المنطقة منذ فجر التاريخ، ثم «مخزن» لغلال الرمان.. «بلد» استطاع جندى أمى، ألبانى اسمه «محمد على» باشا «١٨٠٥/١٨٤٧» أن يحدث به نهضة زراعية يتحدث عنها التاريخ، ومضى تاركا لنا ميراثاً من الذهب الأبيض.. نجح «الواد بلية» خلال خمس سنوات فى تدميره!

وكان مفترضاً على أمين السياسات أن يتعلم ألف- باء فيما يخص أخطر وأهم قطاع فى مصر، وهو قطاع الزراعة الذى لا يعرف عنه شيئاً بحكم نشأته، حتى لا يقع ضحية لبيانات كاذبة، ومعلومات خاطئة.

وألف- باء: كانت تقتضى:

أولاً: وضع استراتيجية حتى ٢٠٢٠ تواكب الانفجار السكانى المؤكد «٢ مليون مولود سنوياً، وقريباً ٣-٤ ملايين»، لأن نسبة الشباب أقل من ٣٠ سنة هى ٦٥٪ من عدد السكان- وهى أعلى نسبة فى العالم- وطبقاً لأبحاث منظمة «الفاو» للأغذية والزراعة فإن تعداد مصر عام ٢٠٦٠ هو ٣٢٠ مليوناً.. ليصبح نصيب الفرد من الأرض المنزرعة هو «٢متر مربع» ليأكل ويشرب، ويدفن فيها.. وبكل أسف انتهت خمس سنوات والبرنامج الانتخابى للرئيس لم يتحقق منه سوى ٧٪ حسب تقرير جهاز التعبئة والإحصاء.. ولم نقرأ أو نسمع عن أى خطة أو استراتيجية لمواجهة هذا التحدى قبل أن نصبح خلال بضع سنوات «بلداً» يجمعون له التبرعات فى حفلات غنائية عالمية ونصبح «دارفور» أخرى!

ثانياً: كان ينبغى على من يختار الوزراء أن يدقق، ويتحرى عن الشخص القادر على تطبيق هذه «الاستراتيجية»، ممن يحبون أو يهتمون أو يفهمون، أو حتى من دبلومى الزراعة.. «لديه فكرة» عن عالم الفلاحين والمزارعين والمربين والصيادين الملىء بالمشاكل والتعقيدات، وأيضاً بالأمل والإمكانيات.. بدلاً من «الاستعانة بصديق» يفتقد الرؤية، ومعدوم الإرادة!

وبغياب الخطة وانعدام الهدف مع سوء الاختيار والعناد، وصلنا إلى ما نحن فيه.. من «دمار» جعل الفلاحين المستأجرين فى الدلتا يعجزون عن سداد القيمة الإيجارية بسبب «ارتفاع مستلزمات الإنتاج+ غش الأسمدة والمبيدات+ مضاعفة الأجور+++» فلماذا وجع القلب والصحيان عند الفجر، وفى النهاية وراء القضبان إذا اقترضوا من بنك الائتمان الزراعى!

«هناك ٢٦ ألف أسرة عوائلهم مهددون بالسجن، و٦٥٠ مسجوناً لعجزهم عن سداد قروض أقل من خمسة آلاف جنيه».


والسؤال الآن: بعد أن وقعت الفأس فى الرأس.

من المسؤول عما جرى؟.. ومن يحاسبه؟.. وما الحل؟

والإجابة فى رأيى:
أن أمين السياسات «جمال مبارك» هو المسؤول الأول عن «غياب الخطة» وتجب محاسبته على تجاهله هذا القطاع، وعدم متابعته، ومباركته للوزير عمال على بطال.. والمسؤول الثانى هو وزير الزراعة أمين أباظة، وكان عليه أخلاقياً أن يستقيل طالما أن هذه الوزارة ليست على هواه ومزاجه.. وأن يحاسب مرة أخرى على تسليمه «وزارة الزراعة» ليد «الطفل المعجزة بالوزارة» مع فرقة الموظفين التى حولتها إلى «خرابة»!

وعن رئيس الحكومة النائم فى العسل، ومكبر دماغه، فتجب إقالته إذا كنا جادين أو خائفين على مستقبل البلد من ثورة الجياع.



أما الحلول.. فما أسهلها لو أن هناك إرادة سياسية لإنقاذ مصر:

أولاً: طبقاً لأبحاث د.فاروق الباز، ود.إبراهيم كامل.. وصور الأقمار الصناعية التى تثبت أن لدينا مخزوناً جوفياً+ حصتنا فى النيل+ الأمطار+ الصرف الزراعى+ توفير ١٠ مليارات بتطوير الرى فى الدلتا من غمر إلى تنقيط، ومنع تصدير البرسيم.. تكفى لزراعة ٢٠ مليون فدان إضافية.. ونفترض أنها ١٠ ملايين فداناً فقط.. فالقطاع الخاص قادر على زراعة مليون فدان سنوياً «مصرى وعربى وأجنبى».. فما المطلوب من الدولة؟

١ - تسهيل إجراءات تملك الأراضى الصحراوية فى خطوتين لا ثالث لهما:

أولاً: «خريطة».. عليها المليون فدان المستهدفة زراعتها سنوياً «تلف وتدور» على الجهات المعنية «الرى- الجيش- الآثار- المناجم والمحاجر.. إلخ»، لتحصل على الموافقات ومن له اعتراض يضع دائرة ملونة على القطعة التى يريدها وبدلاً من طريقة «دوخينى يا لمونة» وتفادياً لبلدوزر الحكومى القراقوشى.

٢ - تحديد سعر الفدان مقدماً.. ومن تثبت جديته نمنحه عقد الملكية فوراً وفوقه بوسه وشهادة تقدير- ومن يخالف نسحب منه الأرض مهما كان منصبه أو حيثيته.

مليون فدان فى ٥ آلاف جنيه متوسط السعر= ٥ مليارات جنيه سنوياً هى الميزانية المطلوبة لوزارة زراعة وبحوث زراعية قادرة على القيام بدورها فى استنباط التقاوى والتحديث+ الإرشاد والتوعية+ التعاونيات+ دعم القمح لإضافة ١/٢ مليون فدان سنوياً+ دعم زراعة القطن والبقوليات والنباتات الزيتية «حالياً ميزانية الوزارة ٦٠٠ مليون- والبحوث الزراعية ٢٦ مليوناً».

ثانياً: التصنيع الزراعى.. ولدينا فيه كل المميزات والميزات النسبية، كما أنه «حتمية» للاكتفاء الذاتى خلال عشر سنوات، وبالتالى بزراعة مليون فدان سنوياً+ بالتصنيع الغذائى+ بفتح آفاق واسعة لقطاع الخدمات، والتوسع فى الصادرات سنخلق ٢ مليون فرصة عمل سنوياً «تصدير طن فاصوليا يحتاج ٣٥ عاملاً، وطن الفراولة ٦٠ فرصة»!

ثالثاً: زراعة ٢٥٠ ألف فدان تبغ لصناعة الدخان بدلاً من استيراده لنوفر ٢ مليار تكفى لانتشال كل فلاحى مصر الذين يملكون أقل من قيراطين ليعيشوا على خط الفقر وليس تحته، «وإذا كانت الحجة أن زراعته حرام، فهل استيراده حلال؟».

رابعاً: دراسة التجربة المغربية فى الزراعة، التى حققت الاكتفاء الذاتى للـ٣٥ مليون نسمة، واحتلت ٩٪ من مساحة السوق الأوروبية فى الصادرات الزراعية «مصر ٠.٦٪»، وأصبحت أكبر مصدر للأسماك المدخنة والمملحة، والمطبوخة، والمعلبة بـ٢ مليار يورو سنوياً!

بلاش التجربة المغربية.. اقرأوا التجربة «الفاساوية» وكيف نجحت حكومة بوركينا فاسو فى تراكم ٩ سنوات نمو بمتوسط ٦.٥٪ بفضل الطفرة الزراعية، بعد أن ارتفع إنتاج الحبوب من ١.٥ مليون إلى ٥ ملايين طن، وكيف أزاحت «مصر» لتتربع وحدها على قمة القارة الأفريقية فى إنتاج وتصدير القطن.. ليرتفع متوسط دخل الفرد «الفاساوى» من ٣٧٥ دولاراً فى ٩٩ إلى ١٨٧٠ دولاراً الآن!

ونستكمل.



نقطة ضوء:

وسط هذا السواد.. هناك «نموذج» فى قطاع الطيران- «وزير».. له رؤية «وفريق عمل».. على الفرازة، «وإنجازات».. تعطيك نفحة أمل وتجبرك على أن ترفع لهم القبعة.. ولهذا أكرر مطلبى باقتراض أحمد شفيق وزيراً للزراعة لمدة ثلاث سنوات، لإنقاذ المصريين من المجاعة، وإنقاذ النظام من ثورة الجياع!

french_group@hotmail.com