الأحد، 8 أبريل 2012

دروس الثورة الفرنسية

بقلم   د. محمود عمارة    ٩/ ٤/ ٢٠١٢
-------------------------------------------


لعل التكرار يعلم الشطار.. أعيد نشر هذا المقال، وها هو للمرة الرابعة:

هو مستشرق فرنسى مقيم بمصر منذ أربع سنوات، ومجنون بالتاريخ المصرى والحضارة الفرعونية ككل الفرنسيين.. على مدى السنوات الأربع كنا متفقين على أن هناك «ثورة» قادمة، وحددنا لها تاريخ ٢٠١١- ٢٠١٢.. لكن كنا مختلفين على من سيقوم بها.. كان رأيى أنها ستكون «ثورة جياع».. وكان رأيه أنها ستكون «ثورة غضب» ضد الظلم.. ضد الفساد.. ضد الثروة التى احتكرها ربع فى المائة من الثمانين مليوناً!!

«كانت فرنسا قبل قرنين حاملة لواء الزعامة فى أوروبا ومركزا للإبداع والتفوق والصدارة.. حتى ابتليت بالملك لويس الخامس عشر الذى كان غارقا فى ملذاته وفُحشه، وانعزاله عن شعبه بفضل «الحاشية» المبتذلة والفاسدة من النبلاء ورجال الكنيسة، التى كانت لا تعترف بأى سلطات للأمة أو حق مشاركتها فى اتخاذ القرار، فكثر اللصوص من كبار موظفى الدولة والمديرين، وكل من يعينهم الملك أو زوجته أو الدائرة المقربة من البلاط.. وازداد عدد «المنافقين» المستفيدين من النظام.. لكنهم جميعا كانوا «قلة» بالمقارنة بالملايين المحرومة!!


وفى ظل هذا الفوران الشعبى، سطع نجم بعض ممثلى الشعب.. وظهرت الصحافة الحرة لأول مرة، ونشأت الأندية والجمعيات الثقافية التى أصبحت قوة فرضت نفسها على الساحة، وصبت نار غضبها على زوجة الملك وحاشيتها الذين وصل بهم الأمر إلى رفت كل من يخالف أوامرهم.. وتحت ضغط المظاهرات والأفكار الثورية، سقط الملك وألغيت الملكية.. وتمت محاكمة الملك وزوجته بتهمة التآمر ضد الشعب.. وفى ٢١ يناير ١٧٩٣ تم إعدامهما «بقطع رأسيهما بالمقصلة» أمام الجماهير، ومعهما أكثر من ١٥٠٠ من المعاونين والداعمين.. لتصبح أكبر مذبحة علنية فى التاريخ!!

وفى غمار الفرحة بدأت «الأخطاء»:

١- عندما انقسم «الثوار» وتركوا الفرصة ليتجمع فلول وأذناب الملكية، وكل من أضيروا أو تخوفوا من الثورة.. للقيام بعدة ثورات مضادة بأشكال متعددة، وبطرق جهنمية.

٢- والخطأ الثانى عندما انشغل الثوار بالاتهامات والتخوين والعمالة، ومن كان مع الثورة ومن كان ضدها.. لتبدأ مرحلة الصراع الدموى، التى وصلت إلى حد «إعدام» بعض «الثوار» بالمقصلة نفسها وفى الميدان نفسه.. ميدان الباستيل، وبيد رفاقهم، كما أعدموا بعض العلماء الذين شكّوا فى ولائهم أو توانوا فى أداء مهامهم.

٣- وفى ظل انتشار الثورات المضادة التى نجحت فى تقسيم الثوار بالشائعات والدسائس.. عوقبت مدن فرنسية بأكملها مثل ليون وطولون بعقوبات جماعية، لمجرد إظهار تململها من الثوار بعد أن ساءت الأحوال الاقتصادية، وانتشر الفقر، وازداد الناس بؤسا، لتبدأ عمليات الخطف والاستيلاء على الممتلكات الخاصة وانتشار البلطجة والسرقات وتفشى الجوع والخوف.. مما سهّل صعود نابليون بونابرت إلى عرش الحكم كأول رئيس لأول جمهورية فرنسية فى ١٨٠٤، بعد عشرين سنة من الاضطرابات والمذابح والفوضى.


باختصار: كانت أخطاء الثورة الفرنسية كالتالى:

١- انشغال الثوار بتصفية الحسابات والجرى وراء الشائعات والاتهامات، ومحاولة البعض خطف الأضواء وجنى الثمار، والبحث عن زعامات.. مما جعل «الثورة تأكل أبناءها» بإعدام بعضهم البعض.

٢- نجاح الثورات المضادة فى تجييش الطبقات الفقيرة التى زادت معاناتها، مما دفعها للتململ والتمرد والاعتصامات والاحتجاجات، وجعلتهم يترحمون على أيام الملك.

٣- طول مدة الحركة الثورية، التى استمرت لعشرين سنة بعد الثورة، أدى إلى انهيار الاقتصاد القومى، فانتشرت الدعارة وعمليات النصب والاحتيال وازدادت الفرقة بين الناس».


وقبل نهاية الجلسة جاء السؤال: كيف ترى الثورة المصرية؟.. وما هى المخاطر من وجهة نظرك؟
وجاءت الإجابة على لسانه عندما قال: حتى الآن هى أعظم الثورات على مر التاريخ لسببين:

أولهما : أنها سلمية - بيضاء - نقية، وبلا تكلفة.. مع كل احترامنا وتقديرنا للشهداء والمصابين، وعليكم برعاية أسرهم ولا تنسوهم أبدا.

ثانيهما : أنها ثورة بلا قيادات، وكل واحد من الشباب ينكر ذاته.. وقلة نادرة هى التى تحاول جنى الثمار وستفشل.. ولهذا لا خوف من أن تأكل الثورة أبناءها حالياً.

أما المخاطر فهى هائلة ومخيفة للأسباب التالية:

أولاً: ضعف الاقتصاد المصرى.. وفقر وجهل وعشوائية الملايين الذين يمكن دفعهم إلى مظاهرات واحتجاجات، لا يمكن حساب نتائجها إذا طال زمن تلبية مطالبهم، خاصة أن أغلبيتهم من موظفى الدولة الذين كانوا يعيشون على «الإكراميات» أو ما نسميه نحن «الرشاوى».. ونظرا لتوقف المستثمرين عن التوسع فى مشروعاتهم أو بدء مشروعات جديدة، والقبض على اللصوص من كبار رجال الأعمال سيحرم هؤلاء من «الفارق» بين رواتبهم والتزاماتهم.. مع احتمالية ارتفاع أسعار الغذاء فى الأشهر المقبلة.

ثانياً: إذا تأخرت الحكومة فى طرح مشروعات قومية لبث الأمل، وجذب استثمارات أجنبية وعربية، وتقديم «مشروع تنموى» يماثل مشروع مارشال الذى أعاد بناء أوروبا، فسوف تجدون أنفسكم فى خطر كبير، ولن أقول «ثورة جياع» فى العام المقبل ٢٠١٢!!

ثالثاً: التسرع فى نقل السلطة من الجيش إلى الشعب خلال ستة أشهر سوف يعطى الفرصة لـ«جماعة الإخوان» بكل تياراتها وأطيافها للقفز على السلطة.. وتدخل مصر فى «دوامة» أو فى طريق مسدود.. وهذا للأسف احتمال كبير جدا!!

رابعاً: عليكم أن تعلموا أن «أعداء الثورة» أكثر عدداً وتنظيماً وتغلغلاً فى المؤسسات الرسمية، وسوف يحاولون إفشال هذه الثورة، لتقليب الشعب عليها!!


لكن فى النهاية أقول لكم: «إننى أثق فى عقل وحكمة وعبقرية المصريين، ومخزونهم الحضارى..
ومازلت أراهن على أحفاد الفراعنة»!!

الجمعة، 6 أبريل 2012

النموذج التركى

بقلم   د. محمود عمارة    ٢/ ٤/ ٢٠١٢
---------------------------------------

وسط هذا التهريج ومحاولة جرجرة مصر إلى عصور التخلف، فى الوقت الذى نجح فيه الإسلاميون المستنيرون فى «تونس» فى التوافق على الحل الوسطى بين العلمانية والدولة الدينية الفاشية.. رأينا نشر هذا المقال المنشور سابقا بتاريخ ٦ يوليو ٢٠٠٩!!



عندما تزور «تركيا».. لأول مرة ستفتح فمك مندهشاً، ومتسائلاً:

كيف استطاع هذا البلد «المسلم» بنسبة ٩٩٪ أن يصبح هكذا قطعة من أوروبا؟

وحين «تجوب» المناطق الجغرافية السبع (منطقة إيجى - البحر الأسود - وسط وشرق الأناضول - مرمرة - البحر المتوسط - وجنوب وغرب الأناضول).. وتعبر الـ٨١ محافظة، فسترفع القبعة لما تشاهده من:

«نظافة» مستفزة ١٠٠٪، جهد حكومى وشعبى ١٠/١٠، «نظام» يجبرك على احترامه.. «حرية» حقيقية تلمسها بلا شرح أو تزويق.. مستوى معيشة يليق بمستوى الإنسان (١٢ ألف دولار للفرد سنوياً).. «تنسيق» حضارى تتمناه لمصر.. و٣٠ مليون سائح يأتون سنوياً للفرجة، والشوبينج.. ولزيارة الأماكن التى شاهدوها فى المسلسلات التركية التى غزت العالم العربى فجأة «مسلسل نور - لحظة وداع - سنوات الضياع - إكليل الورد - وتمضى الأيام - وقصة شتاء..»!

«تركيا».. التى لا تصل مساحتها إلى ٣/٤ مساحة المحروسة.. وعدد سكانها يساوى تقريباً عددنا ٧٨ مليون نسمة، ينتجون أكثر من ضعف إنتاجنا (تريليون دولار سنوياً.. ونحن ٤٤٠ ملياراً).. ولهذا تجد ميزانيتهم السنوية ١٧٠ مليار دولار - ونحن ٤٠ ملياراً فقط لا غير!

ولنفهم «السر».. وراء هذا التقدم، وهذا التحضر الذى يرشحها عضواً فى الاتحاد الأوروبى رغم معارضة فرنسا وألمانيا.. علينا قراءة القصة من بدايتها:

«والبداية».. حدثت على يد الشاب الثائر: «مصطفى كمال».. الذى سموه «أتاتورك» أى «أبو الأتراك».

هذا الزعيم الوطنى الذى حكم البلاد من ١٩٢٣ حتى وفاته ١٩٣٨ أى لمدة ١٥ سنة فقط.. استطاع خلالها أن «يغير»، «ويبدل» حاضر ومستقبل وطنه ويجعل الأتراك مدينين له طوال تاريخهم!

مصطفى كمال «أتاتورك».. الذى تخرج فى الكلية العسكرية فى «إسطنبول» عام ١٩٠٥ لينشئ خلية سرية لمحاربة استبداد «السلطان».. بعد أن حصل على الشهرة بسبب بطولاته العسكرية كضابط أركان حرب.. ليصبح «الكولونيل» مصطفى كمال بطلاً قومياً بتحقيقه عدة انتصارات متتالية فى حرب «الدردنيل» وعمره ٣٥ سنة.. وبعد أن «حرر» عدة مقاطعات تمت ترقيته إلى «جنرال عام» وقائد للجيش ليبرز نجمه فى سماء تركيا، ويدخل حرب الاستقلال مؤسساً قاعدة الجهاد الوطنى ضد الحكم العثمانى، وينتخبه الناس رئيساً لمجلس الأمة.. ثم رئيساً للأركان.. ويعلن استقلال تركيا لينتخبه الشعب بالإجماع كأول رئيس للجمهورية بعد انهيار الحكم العثمانى.

وفى أول خطاب له قال:

«.. بعد أن (تغلغل الشيوخ) فى تفاصيل حياتنا اليومية.. وبعد أن انتشرت الخرافات، و(عمت) الخزعبلات.. (وتغيب) العقل التركى عن الاجتهاد والإبداع.. وبعد أن غرقنا فى بحر (الفتاوى).. وتاه الناس فى دروب الجهل والتخلف، ومن أجل بناء نهضة حقيقية.. وتأسيس دولة عصرية فقد قررنا:

أن تصبح تركيا دولة (علمانية).. تفصل بين الدين والدولة.. وهذا يستلزم:

(١) تحويل المدارس الدينية إلى مدارس مدنية.

(٢) إلغاء وزارة الأوقاف.. وغلق المحاكم الشرعية.

(٣) استخدام الأبجدية اللاتينية بدلاً من الأبجدية التركية فى الكتابة.

(٤) إنشاء دستور مدنى.. مع إدخال قانون العقوبات، والقانون التجارى والمدنى.

(٥) إلغاء الخلافة الإسلامية.. ومنع ارتداء الجلباب والطربوش، والخمار.. وأن تكون «العمامة» لرجال الدين فقط.

(٦) استبدال التقويم الهجرى بالتقويم الغربى.

(٧) «تمكين» المرأة فى المجتمع.. بأن يكون لها وضع قانونى مساوٍ للرجل فى حق العمل والترشح والتصويت والمشاركة.

ولثقة الشعب المفرطة فى الزعيم «مصطفى كمال»، فقد تجاوب بشكل ملحوظ.. ولم يجد المعارضون بداً من الانصياع للنظام الجديد بعد أن تم التنكيل ببعض المناوئين والمستفيدين من خلط الدين بالسياسة.. والمتاجرين بعقول البسطاء، والمتربحين من حالة الجهل والفقر والتخلف التى كانت سائدة فى ذلك الوقت!

وخلال ١٥ سنة.. انتقلت تركيا من حياة القرون الوسطى إلى «الحداثة» والتحضر.. وبعد مرور أكثر من ٨٠ سنة على تجربة النظام العلمانى الذى احترم الدين الإسلامى بإبعاده عن المهاترات السياسية.. فمازال الأتراك يتمسكون بدينهم، ويؤمنون بأن «العلمانية» هى الطريق السليم والصحيح رغم محاولات بعض الأحزاب أحياناً العودة بالمجتمع إلى الوراء!!

«تركيا».. ليست الدولة الإسلامية الوحيدة التى اتخذت من «العلمانية» أساساً للنهضة والتحديث.. فهناك «ماليزيا» أيضاً التى انطلقت على يد «مهاتير محمد» الذى أعلن فى أول يوم من توليه السلطة أنه «مسلم علمانى» فجعل من بلاده «نمراً» أسيوياً، ونموذجاً يحتذى به!!

والسؤال الآن:

هل «العلمانية» بمعنى فصل الدين عن السياسة هى الحل والمخرج مما نحن فيه الآن من وضع مطابق لما كانت عليه «ماليزيا» قبل مهاتير محمد.. و«تركيا» قبل «أتاتورك»؟

ومن أين نأتى بمثل هذا «الأب الروحى» الذى يمكن أن يثق فيه المصريون؟

مصر.. «المريضة»

 د. محمود عمارة    ٢٦/ ٣/ ٢٠١٢
-----------------------------------------

عزيزى القارئ: اقرأ، وفكر، وتأمل ما هو مرصود بهذا المقال السابق نشره بتاريخ ١٠/٤/٢٠٠٦ فى عهد النظام الساقط..


جسد «كالمارد» فى حالة غيبوبة، فقدان وعى، إفلاس، وواجبنا المشاركة الجادة فى إصلاحه، والتعاون لضخ دماء نظيفة بشرايينه ليسترد وعيه وعافيته.

مناخ عام من التشاؤم والإحباط والاكتئاب، خوف على الحاضر، قلق من المستقبل الغامض لكثرة وغرابة ما نسمعه ونعايشه ونراه من: فساد- بلطجة- فوضى- إهمال- مؤامرات- عصابات- محارق- مغارق- غوغائية- ديكتاتورية- بطش- إذلال- طغيان- امتهان- انتهازية- دعارة فكرية وسياسية- نفاق- تملق- تدليس- توريث- تمييع- تزوير- دسائس- مقالب- قذارة- عفونة- تطرف- تخلف- شائعات- خرافات... عادت بنا إلى مثلث الفقر والجهل والمرض، لنتراجع إلى ذيل قائمة الدول الأكثر فقراً وتخلفاً وتراجعاً، لتتفوق علينا دويلات، وتهزمنا حضاريا إمارات، وتسبقنا بمسافات «أمم» كنا نتندر عليها بالنكات والقفشات!

مصر الآن «تغرق» فى مستنقع «يأس جماعى» بعد أن ترهل النظام السياسى وشاخ، وأصيب بحالة من الرعب والتردد والتصلب والارتعاش، وعدم الحسم، والتوقف والتراجع عن الإصلاحات الجادة والحقيقية والشاملة، «تخوفاًً من «الانتفاضات الشعبية» وهم لا يدركون أن غياب «الإصلاحات» هو بالتحديد ما يؤدى حتماً إلى «الثورات»!!

اليوم ١٠ إبريل المتمم للمائة يوم من عمر الوزارة الحالية لينتهى ما يسميه البعض «شهر العسل» الذى تمثل فيه الحكومة دور «العريس»، والشعب هو «العروسة» التى اكتشفت «عجز» الحكومة فخيرتها بين «الخُلع» أو تقديم كل وزارة خطتها بالتفصيل مع توضيح مواردها وبنود إنفاقها، ومصادر تمويلها، والأهداف الطموحة لها، وتواريخ البدء والانتهاء من كل مرحلة، حتى يتمكن البرلمان من مراقبتها، والإعلام من «متابعتها» والشعب من محاسبتها بعيداً عن بيان الحكومة «المايع» والمرفوض، وبعيداً عن «هلامية» الوعود الانتخابية التى مللنا سماعها.

فطابور البطالة الممتد من بورسعيد حتى حلايب وشلاتين زاد فى الشهرين الأخيرين مليون عاطل نتيجة للهلع والعشوائية اللذين تعاملت بهما أجهزة الدولة مع أنفلونزا الطيور، وهناك ٢ مليون فى الطريق بين منتجين ومربين ومهندسين ومشرفين وعمال وتجار وسريحة وفرارجية، وعلى الجانب الآخر هناك هيئة «تخريب» المجتمعات العمرانية المتكفلة بتطفيش نصف المستثمرين الجادين فى المدن الجديدة، والدليل أن عدد المصانع التى تغلق أبوابها أكثر من عدد المنتظر افتتاحه، ومن لا يصدق فليذهب إلى برج العرب والسادات ووادى النطرون وأكتوبر.. وفى قطاع استصلاح الأراضى الصحراوية، الكل يعلم أسباب التوقف وعدم التوسع ولا أحد يعنيه أو يهمه، أما عن الإصلاحات السياسية فحدث ولا حرج بعدما جرى من تفصيل للمادة ٧٦ لدى ترزية الجلابيب والقفاطين موديل سنة ٦٠!!!

الكارثة أن أعضاء الحكومة الحاليين يعترفون فى الكواليس بأكثر من ذلك، ولكن جميعهم «يعزوه» إلى تراكمات الحكومات السابقة. ورئيس الجمهورية القادم سوف يحيله ويعزوه أيضاً إلى الرئيس «الراحل» و«الراحل» لن يكون أمامنا أن نستجوبه أو نسأله أو حتى نستفسر منه ليوضح لنا الأكاذيب والحقائق وهكذا.. دواليك إلى يوم الدين.

والسؤال:

لماذا لا ينكشف علينا دولة رئيس الوزراء المختفى بالقرية الذكية يشرح لنا أولاً بأول؟ ولماذا لا يواجهنا فخامة رئيس الجمهورية بخطاب شهرى للأمة أو حتى بلقاء صحفى على الهواء يجيب عن أسئلة الشارع، واستفسارات الشباب، يلقى الضوء على ما يجرى، يدلى بدلوه فى الأحداث الداخلية، يوضح لنا، يزيل علامات الاستفهام، يطمئن الناس على المستقبل القريب؟

صدقونى الـ٧٥ مليوناً إلا قليلاً واقعون فى «حيص بيص» والكل يتلقف أى مساعدة، ينتظر من يعيره اهتماماً، من يشاركه أحزانه ويخفف من آلامه ولو «بكلمتين حلوين» ، يطبطب عليه، الناس بتصرخ، بتتأوه، بتعوى، ونحن «ننبح» وغيرنا ينفخ فى قربة مقطوعة.

اخرج يا ريس وتحدث بعفويتك للمصريين، قل إن «جمال» لن يرشح نفسه، ولن يقبل ترشيح الحزب له إلا بعد تعديل المادة ٧٦ وتغيير المادة ٧٧، وهما معا سيحدثان خلال ٦ أشهر على أكثر تقدير، ووقتها من حق «جمال» كمواطن مصرى أن يترشح وينافس، ولكن من فضلك لا تفعل أو تتركهم يفعلون كما فعلتم فى الانتخابات الماضية، وتضعون الشعب أمام الأمر الواقع، وفى وقت قصير لا يسمح للطامحين والقادرين والمؤهلين والراغبين من الأفراد أو الأحزاب بالتقدم، حتى نغلق هذا «الشباك» لنريح ونستريح، ولنتخلص من هذا «الخُرّاج» والورم السرطانى المؤلم لقلب مصر، والموجع «لنافوخ» كل مصرى.

نكرر.. إن مصر المريضة تحتاج فوراً إلى «كونسلتو» من أعظم الخبراء لكتابة روشتة العلاج، ونحن قابلون للدواء المر والعلقم، استعداداً لتدخل الجراحين «بالمشارط» والمقصات لفتح وتنظيف وتطهير الأورام، واستئصال الفساد، واستخدام الليزر لتجفيف الدماء وتضميد الجراح وإزالة البقع السوداء، ليتسلمها فريق محترف فى إدارة الدولة الحديثة، وتعظيم إمكانياتها، واستغلال موقعها وتاريخها ومواردها، فريق يعمل للتاريخ وليس للتوريث.

«بوسطجى» رئيساً للجمهورية

بقلم   د. محمود عمارة    ١٩/ ٣/ ٢٠١٢
---------------------------------------

هذا المقال نشرته هنا فى ١٦ أبريل ٢٠٠٧، ورأيت أن إعادة نشره اليوم قد تكون مفيدة.

من له حق الترشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية؟

١- من يحمل الجنسية الفرنسية.
٢- وعمره لا يقل عن ٢٣ سنة.
٣- أدى الخدمة العسكرية.
٤- لم تصدر ضده أى أحكام تحرمه من حقوقه السياسية.
٥- وأن يحصل على «٥٠٠» خمسمائة «توقيع» من أى عضو منتخب، سواء كان عمدة- وهناك «٣٦٠٠٠» ستة وثلاثون ألف عمدة فى فرنسا- أو عضو مجلس محلى، أو نائبًا فى البرلمان الفرنسى، أو برلمان المستعمرات، أو البرلمان الأوروبى.

كيف يحصل على «٥٠٠» خمسمائة «توقيع»؟ ولماذا ٥٠٠ توقيع؟

الجنرال ديجول هو الذى وضع هذا النظام وكان المطلوب هو «١٠٠» مائة «توقيع» فقط حتى عام ٧٦ عندما ارتأى النظام أنه يجب أن تزداد إلى «٥٠٠» خمسمائة توقيع لضمان «الجدية»، وللحد من عدد المرشحين. واشترط القانون أن يحصل المرشح على الخمسمائة «توقيع» من ٣٠ محافظة، وعدد المحافظات هو ٩٥ محافظة داخل فرنسا + ٤ مستعمرات وراء البحار، وألا يزيد عدد التوقيعات على ٥٠ توقيعًا من محافظة واحدة.. ولا يشترط القانون أى شروط أخرى.

ما عدد المرشحين لانتخابات ٢٢ أبريل الحالى؟

١٢ مرشحًا، منهم ٤ سيدات، إحداهن «سيجولين رويال» المتوقع لها الوصول إلى الدور الثانى لتنافس «ساركوزى» أو «بايرو»، كما يوجد «بوسطجى» يركب دراجة ويوزع البوستة، كما يوجد «صياد» فى الثلاثينيات من عمره يترشح لأول مرة، أما «البوسطجى» فقد سبق له الترشح ضد چاك شيراك فى ٢٠٠٢، وحصل على ٥.٤ مليون صوت من ٣٩ مليونًا يحملون بطاقة انتخابية.

ماذا تعنى بمن يحملون بطاقة انتخابية؟


هناك، لا يقيد المواطنون «أتوماتيكيا» فى جداول الانتخاب، وإنما يشترط القانون أن يطلب المواطن الحصول على بطاقة انتخابية، وبالتالى كل من يحصل على البطاقة الانتخابية، يقيد اسمه بالجداول الانتخابية، منعًا للأخطاء، وحثًا للمواطن على طلب حقه.. ولهذا لا تجد جداول بها أسماء «متوفين» أو مهاجرين أو مكررة.

كم تدفع الدولة للمرشح كمصروفات دعاية انتخابية؟

بمجرد حصول المرشح على الـ٥٠٠ «توقيع» يحصل فى الحال على شيك بـ ١٥٣ ألف يورو، ما يعادل مليون جنيه مصرى، وإذا حصل المرشح على ٥% من أصوات الناخبين يحصل على شيك ثان بمبلغ ٧٤٠ ألف يورو، يعادل ٥.٥ مليون جنيه، وكل مرشح يحصل على أكثر من ٥% ولو بصوت واحد يحصل على مبلغ ٥.٧ مليون يورو أى ٤٢ مليون جنيه، ومن يصل للتصفية اثنان، فكل منهما يحصل على شيك بمبلغ ١٠ ملايين يورو، أى ٧٥ مليون جنيه، طبعًا بخلاف المليون الأول.

من يراقب حسابات كل مرشح، وأملاكه قبل الوصول لكرسى الرئاسة؟

على كل مرشح من الـ ١٢ أن يعين له «محاسباً» معتمدًا من المحافظة التابع لها يسجل لديه كل «سنت» يتبرع به مواطن أو شركة أو جمعية للمرشح، كما يسجل كل «يورو» من المصروفات الدعائية، وأيضًا أى مساعدات من الحزب إذا كان من مرشحى الأحزاب وليس مستقلاً، والمهم أن كل مرشح عليه أن يسجل قبل الانتخابات كل ممتلكاته وتعلن على الملأ.. لديه سيارة بيچو: الماركة- سنة الصنع- اللون- القيمة، لديه شقة أو منزل: مواصفاته وقيمته وعنوانه، لديه أسهم فى أى شركة وقيمتها قبل الانتخابات بـ ٣٧ يومًا- وحتى «البوسطجى» رغم أنه يركب دراجة حكومية، ولكنه أعلن عن ملكيته ٣ دراجات هو، وزوجته، وابنه- وشقته بالقسط، وحسابه بالبنك به ١٩ ألف يورو، وهى كل ممتلكاته فى الدنيا، وعند خروجه من الحكم يعاد الحساب لتعلن براءته أو إدانته.

ما عدد الحاصلين على بطاقات انتخابية؟

٤٤ مليون ناخب، بزيادة ٥،٤ مليون عن آخر انتخابات فى ٢٠٠٢- ومعظمهم من الشباب + المهاجرين + ٥.١ مليون فرنسى خارج الحدود، وآخر انتخابات «تغيب» ٢٨ فى المائة.

ما الفارق بين انتخابات ٢٠٠٢، و٢٠٠٧؟

- لأول مرة «يحتار» أو يتحير الفرنسيون فى الحسم، وباقى من الزمن أسبوع واحد- لأن المرشحين الثلاثة وهم: ساركوزى، سيجولين رويال، فرانسوا بايرو، من نفس الجيل - أوائل الخمسينيات - ومستوى ثقافى متقارب، ووسط اجتماعى واحد، «بايرو» أبوه وأمه كانا «عاملين» فى مصنع وماتا فى حادث عمل، واعتمد على نفسه ليعيش، إلى أن دخل جامعة بوردو، ودرس بكلية الآداب قسم اللغات، ثم عمل مدرسًا إعداديا، ثم نائباً بالبرلمان، فوزيرًا، ثم مرشحًا للرئاسة، وشرحه سيجولين، و«ساركوزى» أبوه عامل «مجرى» مهاجر تزوج من فرنسية وبذكائه ومجهوده الشخصى وإرادته وعزيمته أبرز تفوقًا بالحزب ليتبناه «شيراك» وينشق عليه لدرجة «الخيانة» كما قال شيراك وقتها، وأصبح وزيرًا للمالية ثم الداخلية، وهو يمينى أقرب للتطرف ولكن سياساته تعجب الكثيرين.

هل سيحاكم شيراك بعد خروجه من كرسى الرئاسة؟

لا أعتقد، خاصة أنه، كما يقال فى الصحافة الفرنسية، عقد صفقة مع «ساركوزى» بأن يعلن تأييده له مقابل عدم المساس به، إذا وصل ساركوزى للحكم؟

وما التهمة الموجهة لشيراك؟


تهمتان،
  • أولاهما : أثناء «عموديته» لباريس كان يساعد الحزب بطرق غير قانونية،
  • وثانيتهما :  أنه حصل على ٣ تذاكر طيران مدفوعة من ميزانية «العمودية»، وكان فى رحلة خاصة للاستجمام هو وزوجته وابنته!

استقالة مواطن «أُهين» (٢ ــ ٢)

بقلم   د. محمود عمارة    ١٢/ ٣/ ٢٠١٢
--------------------------------------------


من حق أى مواطن أن «يغضب» عندما يُهان، و«يكتئب» غصباً عنه إذا رأى الحلم يتوارى.. وأن «يخاف» على سمعة ومستقبل وطنه.. وله أن «يفضفض» للتنفيس، وعليه أن «يعتكف» للتأمل والمراجعة ليعيد ترتيب أفكاره فيستعيد طاقته الإيجابية.

وبما أننى مواطن فخور بوطنى، أعرف ثرواته وأقدر عظمته وقيمته فى نظر العالم. فيحزننى أن أصل إلى مرحلة «الاستعرار» من نفسى ومن جميعنا، وأخص من يتحكمون فينا من «مخلفات» النظام الساقط وأذنابه وذيوله، الذين أثبتوا أنهم غير مسؤولين، بل غير أمناء على سلامة ونهضة وكرامة هذا الوطن.. التى حانت له فرصة تاريخية ليقوم بدوره الحضارى الذى ينتظره العالم من أحفاد الفراعنة!!

والحقيقة أنه عندما قامت الثورة فى ٢٥ يناير، ورفرفت وحلقّت متخيلاً الحلم الكبير تزينه «صورة مصر الحديثة».. المضيئة.. العادلة.. المهابة، وتصورت مخطئاً أنه لا يوجد مسؤول واحد سيقف ضد هذا الحلم أو يتآمر عليه، وقلت فى نفسى إنه لابد أن نبدأ بغرس الأمل فى الناس، وننبه للعمل.
  • فكانت أول مقالة لى بعد الثورة بعنوان: «دقت ساعة العمل»..
  • تلتها سلسلة طويلة بعنوان «زراعة الأمل»،
  • وأسسنا بنكاً للأفكار بمجلس الوزراء امتلأ بالدراسات والرؤى والمبادرات من خبراء مصريين رائعين فى كل المجالات:
  • مشروع مصر قناة السويس بعائد ١٠٤ مليارات دولار سنوياً..
  • مشروعات لتحلية مياه البحر بتكلفة ٨ سنتات للمتر المكعب..
  • مشروعات فى الطاقة الشمسية.. فى الرياح.. فى استخراج الطاقة من باطن الأرض.. فى ترشيد الرى بالغمر، والاستخدام الأمثل للمياه الجوفية لزيادة الرقعة الزراعية من ٨.٥ مليون فدان إلى ٢٥ مليون فدان.. فى إزالة الألغام وزراعة مليون فدان حبوب وبقوليات بالساحل الشمالى..
  • ودراسات للاكتفاء الذاتى من الغذاء الصحى فى أربع سنوات..
  • ومشروعات لتحويل العوينات إلى أهم وأكبر وأحدث منطقة صناعية للحوم ودباغة وصناعة الجلود، لوجود مليار رأس ماشية بحوض النيل..
  • مشروعات لاستبدال العشوائيات بمدن اقتصادية سبق أن صممها ونفذها مصرى بإنجلترا للإنجليز..
  • مشروعات فى جمع وتدوير الزبالة..
  • فى الثروة السمكية، فى عودة إنتاج وتصدير الحرير والكتان،
  • فى تحويل الصعيد والواحات لمناطق إنتاج وتصنيع الزيوت العطرية، والنباتات الطبية، والتمور وزيت الزيتون
  • ومشروع «نهر الأهرام» الذى ينقل السياح من التحرير إلى الأهرامات بالمراكب والجناديل..
  • واختراعات وابتكارات وإبداعات لصغار الشباب تُغير وجه الحياة لمستقبلهم..
  • ومبادرات من زملائنا «المغتربين» لنقل إبداعاتهم وخبراتهم ومدخراتهم.. وآلاف الدراسات الموجودة بمراكز البحوث المصرية تكفى لنهضة قارة أفريقيا وليس مصر وحدها!!
ولكن مين يقرا ومين يسمع، والكل أطرش وأخرس، وعمنا د. عصام شرف فى آخر مكالمة له معى قبل شيله بأسبوع يعترف ويعتذر لى عن تقصيره فى هذا الشأن، الذى عملنا فيه بأمانة وإخلاص وحماس كمجموعة متطوعين.
  • وشارك معنا وأيدنا وساعدنا فى البداية الإعلامى عمرو أديب لاستضافتنا عدة مرات،
  • ثم ساهمت بشكل كبير وأوسع الإعلامية الشهيرة د. هالة سرحان فى «ناس بوك» بقناة «روتانا»، بسلسلة من الحلقات الأسبوعية نزرع فيها الأمل للمشاهدين، ونبرز لهم كنوز وثروات وإمكانيات وميزات ومميزات مصر الجغرافية والبشرية والمعدنية والطبيعية.. وكررها وأبرزها صديقنا المرموق أحمد المسلمانى بـ«الطبعة الأولى» بـ«دريم»،
  • بعد الأستاذة منى الشاذلى أول من قدمت بنك الأفكار للمشاهدين، وحتى بالتليفزيون المصرى

«ولا حياة لمن تنادى»، ثم راح «شرف» المسكين وجاء «الجنزورى» اللئيم، كأننا نؤذن فى مالطة، أو كأنهم يرسخون نظرية سيدهم مبارك «خليهم يتسلوا»، والمجلس العسكرى فى سابع نومة بياكل فتة مع الملايكة!!

فى النهاية أصابنا القرف والزهق، وبدأنا نفقد حماسنا، خاصة بعد الأداء المغيب للبرلمان، وخطايا «العسكرى» المتكررة وانشغال النخبة بمصالحها وسفسطة وجدل المحللين البغبغاويين ببرامج التوك شو الذين توهونا وأوقعونا فى «حيص بيص»!!

باختصار: مصر فى خطر، والمستقبل أصبح على كف عفريت، والفترة الحالية ربما تشهد صراعاً حاداً على الكرسى الكبير، فتحدث اغتيالات تؤدى إلى فوضى عارمة،

ولهذا أدعو كل المحبين لهذا البلد، لمراجعة أخطائنا.. مراجعة مواقفنا.. مراجعة ماذا حدث خلال ١٤ شهراً مضت، ولماذا حدث؟
وكيف نحمى بلدنا من خطر التقسيم أو الانقلابات العسكرية، 
وكيف نعود إلى «الحماس» ونستعيد «الأمل» وألا نتحدث إلا عن المستقبل بمشروع نهضة مصر، لنحقق العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية، أو هذا ما أتمناه.

وأخيراً أشكر كل من تواصل معى بعد المقال الفائت يسأل أو يندهش من حالة القرف والغضب والخوف التى أوصلتنى إلى الاعتكاف بالصحراء أتسلى فى أعمالى وأرعى غنمى بدلاً من أن يرعاها الذئاب، ولنعتبرها استراحة محارب يستعيد فيها الحماس، ويعيد شحن البطاريات بالطاقة الإيجابية من جديد.

استقالة مواطن «أُهين» (١-٢)

بقلم   د. محمود عمارة    ٥/ ٣/ ٢٠١٢
----------------------------------------

عند تشكيل الحكومة الحالية كتبت أننى لو كنت مكان «الجنزورى» لما قبلت أن أكون رئيساً للحكومة، وكنت قبلت فقط أن أكون «رئيساً شرفياً لها»، أجلس فى غرفة داخلية كـ«مستشار» أقدم ما عندى من تجربة وأفكار ومعلومات، وقلت إن قبوله كان بغرض أن يثبت لأحفاده أن مشروعاته «توشكى - شرق التفريعة - خليج السويس ...» كانت صحيحة وسليمة، والعيب فى حسنى مبارك وعاطف عبيد ومن تبعهما.. ثم طلب شهرين لنرى إنجازاته، باعتباره مفوضاً فى كل الصلاحيات من «العسكرى».. وها هى النتيجة:

  1.  أنه لا يزيد عن أنه «خيال مآتة» لـ«العسكرى»، والدليل ما جرى من فضيحة وجرسة فى موضوع التمويل الأجنبى، بعدما قال بصوت متحشرج: إن مصر لن تركع.. لن تركع.. وصفق له النواب.. وها هى مصر قد ركعت وسجدت، وانبطحت، واتشقلبت، والكل اتفرج علينا، ولم يفتح فمه!!
  2.  ما جرى من تضليل وكذب فى البيانات والقرارات بكل الوزارات والمصالح.. وآخر الأمثلة: أن حكومته أعلنت عن توزيع ١٥٠ ألف فدان للشباب «بالمزاد العلنى» وإعلانات بالصحف و... و... واشترى الشباب «كراسة المزاد» بألفين وخمسمائة جنيه من وزارة الزراعة.. وبعد أن جمعوا عدة ملايين تؤمن لهم رواتب ومكافآت الموظفين لمدة ٣ شهور، تم تأجيل المزاد حتى شهر يونيو.. والحكومة المقبلة «تلبسها»!!

لأنه فى الحقيقة لا توجد أراضى فاضية.. فكل ما أعلنوا عنه هى أراضى منزرعة وضع يد.. يعنى نصب X نصب على الشباب، وبالمناسبة لم يردوا الألفين وخمسمائة جنيه لكل شاب!!

والسبب أن يكره الناس الإخوان والسلفيين بعد أن خرجوا من طوع «العسكرى»، لتُنتزع الثقة منهم، ويخرجوا عليهم فى مظاهرات واحتجاجات، وتبوظ الدنيا.. «والعسكرى» يهيص، ويزق «الرئيس التواطئى» ليعلن الأحكام العرفية، وبهذا تنتهى قصة المحاسبة والمحاكمة، والخروج الآمن.. ويصبح هو الذى يحاكم الثوار، والنقاد، والمعاكسين له.. ليظل «ديول» حسنى مبارك يحكمون مصر من وراء الستار.. وكل ثورة وأنتم طيبون!!

وما سمعته من مطبخ الإخوان ومن كثيرين غيرهم أن «الجنزورى» سيتمسك به «العسكرى» خصيصاً لتزوير انتخابات الرئاسة، خاصة أن «قرارات اللجنة الانتخابية محصنة» ولا يجوز الطعن عليها، وها هو الشاويش «عبدالمعز» ليس إلا «كومبارس» كغيره من بعض الموالسين المتواطئين!!

إذن كلام الإخوان وغيرهم صحيح: إن الجنزورى، وفايزة، وعبدالمعز، ليسوا أكثر من أصابع وماريونت. لـ«العسكرى».. وصاحب سيناريو «كرسى X الكلوب»، لأنه من البداية يريد «الكرسى الكبير» خوفاً من المحاسبة على «التكية» والامتيازات، وما جرى من صفقات تحت الترابيزة، وما خفى كان أعظم!!

ولهذا أصبح لزاماً على الإخوان، كأغلبية، تشكيل حكومة فوراً، رغم مخالفة ذلك للإعلان الدستورى المعيب والتفصيل على المقاس.. حكومة حقيقية.. حكومة إنقاذ من كوارث الانفلات الأمنى المتعمد.. ومن التخريب المقصود.. ومن التخبط والتردى والإهانة والعار التى لحقت بكل المصريين.

حكومة قادرة على منع «العسكرى» من أى محاولة لتزوير إرادة الشعب فى اختيار رئيسه.. حكومة تطبق القانون بحد السيف على أكبر رأس.. حكومة لها سياسة خارجية تليق باسم وتاريخ وحضارة هذا البلد.

باختصار: يجب سحب الثقة الآن من هذه الحكومة التى مرمغت رؤوسنا فى الوحل، وجعلت المصريين بالخارج يختبئون من ملاحقة العرب والأجانب بالأسئلة المهينة لما جرى.. وكما عبر لى صديقى إبراهيم الجارحى، وهو أستاذ بجامعة تورنتو الكندية، وقال نصاً: «تتصور إمبارح الصبح دخلت الحمام أحلق دقنى.. وقفت قدام المراية (وتفيت فى وشى) من فضيحتنا كمصريين قدام الأساتذة الأجانب اللى كانوا بعد الثورة بيضربوا لنا تعظيم سلام»، وحملنى رسالة لـ«العسكرى وللحكومة» بتقول: «الله يفضحكوا زى ما فضحتونا وجرستونا وهزأتونا، والويل لكم، وساعة الحساب قادمة لا محالة ولن يفلت أحد من العقاب»!!

وبصفة شخصية أقول: «إننى فكرت فى (الاستقالة من مواطنتى) بعد هذا (الاغتصاب) للكرامة المصرية، فلا أقبل - كمصرى - أن يحكمنى أمثال هؤلاء المتآمرين، وسأنتظر أسبوعاً لأرى موقف (نواب الشعب)، (والقضاة المستقلين) المحترمين.. وكيف سيحاسبون (المشير)، و(الجنزورى)، و(فايزة)، وقبلهم (ترزى الدستور) المسؤول عن زرع الألغام فى طريق الوطن، وهو ممدوح شاهين.. وإذا لم يحدث شىء، فسأتقدم باستقالتى من المواطنة مؤقتاً.. وسأعمل مع كل الشرفاء المخلصين من أجل (ثورة قادمة) تكنس بقايا وشركاء المخلوع، الذين يتعاملون معنا كأننا خراف ونعاج، وهم الأكباش.. ويجهلون (ثورة الغضب)، ولا يتخيلون ماذا يمكن أن يحدث لهم فى ميدان التحرير إذا لم يعتذروا لنا على الملأ، ويعترفوا بتفاصيل (الصفقة) التى قصمت ظهر البعير».

ونستكمل ...

انتبهوا لـ«الفخ» القادم

بقلم   د. محمود عمارة    ٢٧/ ٢/ ٢٠١٢
-------------------------------------------


تصوروا، وتفكروا، لما يمكن أن يحدث بعد عودة الجيش إلى ثكناته، ومازالت «الداخلية» منهكة.. متعبة.. مكسورة.. فاقدة للثقة بنفسها.. أو حتى «مُضِربة».. رغم أن المسؤول عنها هو اللواء حمدى بدين، عضو المجلس العسكرى، الذى يجب مساءلته: لماذا لم يقم بالتطهير، وإعادة التنظيم، وتقديم الدعم لها حتى تقف على حيلها ؟؟.. وهل صحيح ما يردده البعض بأن هذا «السيناريو» مقصود ومتعمد؟؟

والسؤال الأهم: ماذا نحن فاعلون بدون الجيش، ولا الشرطة.. أى بدون أمن؟

تخيلوا بلداً.. بدون هيئة تحمى المصريين من قطَّاع الطرق، والبلطجية، والحرامية، والعصابات المسلحة، ومن بعض الأعراب الذين يملكون مخازن للأسلحة الثقيلة والخفيفة وحتى المضادة للطائرات، للاعتداء على الممتلكات الخاصة، أو خطف السياح والأطفال للمساومة و.. و..، فماذا أعددنا من «خطط» لإنهاء حالة الانفلات المتصاعدة، والتى ستزداد يوما بعد يوم. والتى ستشجع الشباب الفاقد للأمل بعد ١٣ شهراً من «ثورة» وعدته بالعيش، وبالكرامة، وبالعدالة الاجتماعية.. ولم ير شيئاً قد حدث أو حتى بصيص أمل فى أن يتحقق.. وهل سننتظر إلى أن يصبح القتل، والاغتيال، شيئاً عاديا نكتبه على شريط الأخبار مثلما يحدث الآن فى حوادث الطرق.. اتقتل خمسين.. اتقتل ٧٠.. اتقتل ٩٠؟؟

أكرر: ماذا نحن فاعلون ؟ بعد أن وقعنا فى نفس أخطاء الثورة الفرنسية التى سبق أن حذرت منها.. «عندما انزلقت من الانفلات إلى الفوضى، ثم الحرب الأهلية التى استمرت لأكثر من ١٥ سنة كانت من أسوأ الفترات فى تاريخ فرنسا، بعد أن سيطر قطاع الطريق والبلطجية وحكموا البلاد بقوة السلاح ليسود قانون الغابة.. الذى يجعل الموت أفضل من الحياة لمن لا يستطيع أن يهرب خارج الحدود.. حتى قام الضابط «لويس نابليون بونابرت» بانقلاب عسكرى.. ولكنه كان محترما ووطنياً ولديه رؤية لنهضة فرنسا.. فوضع «دستوراً» ومنظومة تشريعات وقوانين هى التى أسست للجمهورية الأولى ومازالت هى أساس التقدم والتطور والفخر للفرنسيين!!



والحل هو:


  1.  التطهير الفورى لجهاز الشرطة من ذيول النظام السابق، والكافرين بالثورة من قياداته (بعملية فرز وتجنيب، وبإحلال وتجديد)، مع الصرامة والحزم والجبر على الانضباط واحترام الأعراف بعيداً عن التسيب، والأهواء، والتمييز، قبل أن نجد ضابط شرطة بدقن وآخر بديل حصان!!
  2.  تجهيز الشرطة بكل ما تحتاجه من عتاد وسلاح ومركبات للتسهيل على الضباط والأفراد الراغبين فى أداء وظيفتهم، ولكنهم غير ممكنين.. (٤ آلاف بوكس تم حرقها.. ومخازن الأسلحة تمت سرقتها من أقسام الشرطة و... و...).
  3. وضع قانون واضح وصريح يحمى ضابط أو فرد الشرطة إذا تعرض للإهانة أو الاعتداء عليه.. كما يحمى المواطن من التعسف أو عدم اللياقة أو الإهانة.
  4. فى العالم كله ساعات العمل لرجل الشرطة محددة «بست ساعات».. حتى يظل يقظا «وفى الفورمة».. فما بالك بأن كثيرين من الضباط والأفراد يعملون ورديتين ١٢، ١٤ ساعة بنفس الأجر المحدود (٩٠٠ جنيه للنقيب بعد ٨ سنوات من تخرجه). رغم أن هناك «مجموعة» ممن يتسلمون مظروفا شهرياً بعشرات الآلاف.. وهناك من يعمل فى شرطة الكهرباء ويحصل على أربعة أضعاف زميله الواقف ١٢ ساعة بالشارع لتنظيم المرور، يتعرض فيها للإهانات والتلوث!
  5.  لسد النقص العددى.. سبق أن قلنا: فتح الباب «لخريجى الحقوق» وبعد ٦ أشهر تدريب وتعليم للمواد الشرطية يتخرجون ضباطا جدداً.. كما يمكن الاستفادة من «المتقاعدين» بالقوات المسلحة للعمل فى حراسة المنشآت والبنوك وغيرها من الأعمال البعيدة عن التخصص الجنائى (بالأحوال المدنية - الجوازات - الحراسات - شرطة المرافق - إلخ).
  6. معضلة «الأمن الوطنى».. إنه يحتاج إلى إدارة مدنية برئاسة قاض أو محام يفهم الدور الحقيقى لهذا الجهاز، ليتمكن من القيام بواجباته، بلا أدنى تجاوزات لحقوق الإنسان، أو تدخلات فيما لا يعنيه.
  7. تغيير لون الملبس «الزى» ولون البوكسات وغيره، حتى ننسى الشكل القديم وما ارتبط به فى أذهاننا.

وإذا لم يحدث ذلك الآن وقبل عودة الجيش إلى ثكناته فسوف نجد أنفسنا فى «كارثة» من الفوضى العارمة والانفلات المخيف.. وإذا كان هناك ١٠٠ ألف مصرى أغلبهم مسيحيون حصلوا على تأشيرات هجرة. فسوف يهرب وقتها من مصر كل «القادرين» و«المستثمرين»، و«العقول».. رغم أن الحل مازال فى أيدينا بدعم كامل وبلا حدود للشرطة، وكل استثمار فيها هو أهم استثمار.

ولنتذكر مقولة الجنرال ديجول: عندما أشار إلى جندى الشرطة الواقف مشدودا، وبملابس أنيقة وحذاء لامع.. وقال: «من هنا تبدأ هيبة «الدولة».. أكرر «هيبة».. مش «خيييبة» بالويبة!!

قرفان بيسأل :

تفتكروا لماذا نجحت الثورة التونسية فى أن تضع قدمها على «الطريق الصحيح».. لدرجة أنها تفرغت لعقد مؤتمر عالمى «لمساعدة الشقيقة سوريا المجروحة»؟..
ومن الذى وضعنا على «الطريق المعاكس» ليصل بنا الحال إلى هذا اليأس والإحباط، والاكتئاب، والتوهان، وقلة الحيلة؟؟!

الله يكسفكوا زى ما غرزتم رؤوسنا فى الوحل!!

بلاغ ضد الحكومة

بقلم   د. محمود عمارة    ٢٠/ ٢/ ٢٠١٢
-----------------------------------------

فعلا.. شىء لا يصدقه «عكل» على رأى الفنانة شويكار.. وفعلا مصر دى بلد العجايب!!

ودليلى:

أولا: حضراتكم جميعا قرأتم، وسمعتم عن أهم مشروع يمكن أن يصبح أول «قفزة» على طريق «النهضة الكبرى» التى ننتظرها ونحلم بها.
والمشروع هو «ممر قناة السويس».. الذى قدمه مجموعة من الخبراء المتخصصين، وهو نفس المشروع الذى يتحدث عنه كل مرشحى الرئاسة باعتباره أكبر وأسرع مشروع سيحقق طفرة اقتصاديه بعائد سنوى ١.٤ مليار دولار (وهو ما يعادل ٥٠% من الناتج القومى الآن).
ويمكننا خلال ١٨ شهراً أن نضاعف دخل القناة ٣ مرات ونصفاً، من ٥ مليارات الآن إلى ١٨ ملياراً دون استثمارات من الدولة.. فقط بتشغيل «الأوناش» والكراكات، والمعدات المعطلة، وبتموين السفن.. وتقديم كل الخدمات كما فعلت البحرين، ودبى، وسنغافورة!!

وطبقا لدراسات الجدوى المالية والفنية سيحتاج إلى «مساحات حول القناة» قد تصل إلى ٢٠ كم بطولها.. ليصبح لدينا ٣ جبل على + ٢ سنغافورة (مساحة سنغافورة ٧٠٠ كم = ½ مساحة الإسماعيلية).. ورغم أننا عرضنا الدراسة على د.عصام شرف بعد مناقشات حامية بمركز دعم واتخاذ القرار بحضور رئيس الهيئة الأسبق.. ورغم أنه نوقش على الهواء عشرات المرات، ورغم أنه وارد بمشروع النهضة لمعظم الأحزاب، والكل يؤكد أنه مشروع الأمل وأنه «سعودية» ثانية لفرص العمل.. فماذا جرى؟

فوجئنا هذا الأسبوع بأن «وزير الزراعة» يعلن تقنين أوضاع المستثمرين الزراعيين من واضعى اليد على هذه المساحات الواقعة على حافة القناة.. وبالتالى سيعطل «المشروع النهضوى»، لأن الحكومة القادمة فى يوليو ستضطر إلى نزع الملكية بهذه المساحات من نفس هؤلاء المستثمرين.. وندخل فى المتاهات.. محاكم، ومحامين، وتحكيم دولى، وقعدات عرفية.. وابقى قابلنى!!

المدهش أن حكومة الجنزورى تعرف جيداً المخاطر الرهيبة التى تتعرض لها قناة السويس الآن وهى:

  1. أن إسرائيل تدرس الآن بديلا للقناة إما «بحفر قناة» بين البحرين الأحمر والأبيض.. أو إنشاء خط سكة حديد سريع TGV.. بين إيلات على البحر الأحمر وبين حيفا على البحر الأبيض لنقل البضائع والحاويات خلال ٣ ساعات فقط.. وبالتالى تنافس مرور السفن عبر قناة السويس برسومها المرتفعة، ولانعدام الخدمات بها.
  2. بسبب التغيرات المناخية.. وذوبان الجليد صيفا بالقطب الشمالى استطاعت سفن روسية جرافة أن تعبر محملة بالحاويات من الصين شرقا إلى كندا غربا، مما يهدد شريان قناة السويس مستقبلا.
  3. «التوسعات» فى قناة بنما بدأت بقوة وعلى قدم وساق لتطوير الخدمات.. مما يتيح للشركات الشرق آسيوية الراغبة فى الاستثمار بمشروع قناة السويس أن تتجه إلى هناك، مادمنا عاجزين ومشاكلنا لا تنتهى!!


    والمطلوب من د.الجنزورى أن يأمر جهاز تنمية سيناء بوضع «حدايد» على حدود المنطقة المستهدفة والمطلوبة لهذا المشروع القومى، ولا يجوز تقنين أى أرض داخلها.. على أن يمنح أى مستثمر متضرر مساحات أخرى داخل سيناء أو بأى مكان آخر يقبله!!

ثانيا: «مشروع نهر الأهرام».. والذى قطعنا فيه شوطا كبيرا من دراسات الجدوى والمناقشات بنقابة المهندسين، وهيئة تنشيط السياحة ليصبح جاهزا للتنفيذ.. بأن يركب السياح من ميدان التحرير بسفن حتى الجهة المقابلة لمستشفى المعادى العسكرى.. لينتقل السياح عبر ترعة المنصورية «بالجنادل»، والمراكب الفرعونية من النيل إلى نزلة السمان، بطول ١٢كم، بعد إزالة أكوام الزبالة والحيوانات النافقة.. وإقامة بازارات، وموتيلات، ومقاه، وقرى فرعونية مفتوحة.. و.. و..

لنفاجأ بالتالى:

أن «وزارة الرى» (رغم علمها، وعلم محافظ الجيزة) بدأت بتكسية وتسقيف ترعة المنصورية بالخرسانة المسلحة.. لأنهم كانوا (حسب كلامهم) قد تعاقدوا قبل الثورة مع مقاول لهذا الغرض.. ولا يمكنهم سوى التنفيذ.. وعلينا نحن أن نتركهم حتى ينتهوا طبقا لعقدهم مع المقاول.. ثم نقوم نحن بهدم هذه الخرسانات بنفس المقاول، إن أردنا!! والسؤال: هل صحيح أن هناك «ثورة» حدثت فى مصر؟.. وهل سنظل محكومين بالبيروقراطية العقيمة، والروتين العفن، وبوزراء موظفين درجة عاشرة؟

وهل أصدق ما قاله لى المهندس خيرت الشاطر.. بأن حكومة الجنزورى سوف «تُعقد» وتصعب مهمة الحكومة القادمة لدرجة تجعلها تبدو عاجزة أمام الشعب، ولهذا يطالب حزب الحرية والعدالة بتشكيل حكومة إنقاذ جادة وفاهمة ومستعجلة للبدء فى مشروع النهضة، قبل أن ينفجر المجتمع وتصعب السيطرة عليه؟

بعيداً عن هذا الموضوع: فكرة: لصديقنا د.محمود عزب.. مستشار فضيلة شيخ الأزهر..

لماذا لا يهتم بعقد «ندوات» أسبوعية بمساجد مصر كلها.. يتحدث فيها العلماء، والخبراء، ومن لديهم مصداقية لدى الشباب.. بغرض التوعية، والتنوير، والإجابة عن أى أسئلة أو استفسارات تُحيِّر الناس.. وأيضا طرح أفكار مضيئة، ومبادرات هادفة، ومقترحات للحاضر والمستقبل.. لقاءات وحوارات تخدم التنمية، وتُجيش المصريين لمشروع النهضة القادم، أو على الأقل تعيد لهم الثقة والأمل والابتسامة بدلا من الاكتئاب، والخوف، والحزن الذى خيم على صدور ووجوه المصريين، بعد أن فشل الإعلام فى رسالته الحقيقية، وأصبح باحثا عن الإثارة والتهييج والكلام عن الماضى.. متجاهلا مسؤوليته التاريخية!!

الرهان على أحفاد الفراعنة

بقلم   د. محمود عمارة    ١٣/ ٢/ ٢٠١٢
------------------------------------------


العالم كله يتفرج على «أحفاد الفراعنة».. أحفاد الفراعنة الذين أبهروا الدنيا بثورة سلمية أسقطت ديكتاتوراً، حنث فى قسمه بأن يحافظ على النظام الجمهورى، وبعد ٣٠ عاماً من الكبس على أنفاس المصريين، أراد توريث الجمهورية، وخلالها كان كنزاً استراتيجياً للعدو الأول.. وفيها حطم الشخصية المصرية، وحط من كرامتها، وأضاع عشرات الفرص التاريخية لبناء دولة عصرية، كما فعل غيره فى كوريا وماليزيا وتركيا.

وبالروح المصرية المميزة، بنكاتها وابتكارها، هتف الشباب والنساء والرجال بأدب وسخرية لمدة ١٨ يوماً حتى سقط رأس النظام الفاسد.. وظلت وكالات الأنباء حول العالم تتحدث الـ٢٤ ساعة خلال الـ١٨ يوماً عن السلوك المتحضر فى مقاومة المستبد، وبدأت حكومات الدول الكبرى تعيد حساباتها من جديد، فاحتارت وانتظرت وقلقت وتهيبت لهذا «المارد» الذى خرج من القمقم، يزأر ويبرطع ويهدد ويطلب المعاملة بالمثل.. وهنا بدأت أجهزة المخابرات من كل صوب وحدب تقوم بواجبها ووظيفتها فى الرصد والتحليل والتقييم ووضع الخطط التى تحقق لها مصالحها بمساعدة أذناب النظام الفاسد!!

وأعطيناهم الفرصة الذهبية بسلوكنا فى الطريق الخاطئ الذى رسمه سيادة اللواء ممدوح شاهين مع المحامى صبحى صالح وشركائهما.. وبالتلكؤ والبطء الذى وصل إلى حد التواطؤ من إدارة المجلس العسكرى، والتشرذم والانقسام والبحث عن أدوار لكثيرين من «شباب الثوار»، الذين أفسحوا مجالاً للبلطجية فاخترقوهم وشوهوهم، و«الإعلام» الأحول الذى فقد الكثيرون فيه البوصلة فضاع منهم الهدف والرسالة الواجبة، ونسوا دورهم الحقيقى فى التوعية والتنوير وبث الأفكار المضيئة (وعليهم جميعاً الآن المراجعة لأنفسهم وللموضوعات التى أثاروها خلال الـ١٢ شهراً الماضية)..

 وطبعاً كانت «حكومة» الرجل الطيب «د. شرف» كارثة أضاعت أخطر وأهم وقت بعد الثورة.. ولا نستثنى أحداً من «الأحزاب» الكرتونية التى لهثت وراء التربيطات، للحصول على قطعة من كعكة البرلمان.. وحتى «المجلس الاستشارى» كان ديكوراً وغطاء أكثر منه فاعلية ورسم خططاً متكاملة للخروج من المأزق بأفكار جريئة واقتراحات غير تقليدية.. و«مرشحو الرئاسة» كل منهم يبحث عن مصلحته قبل مصلحة الوطن.. الوطن الذى كان ومازال فى أمس الحاجة إلى السمو عن الذات والابتكار بالجلوس معاً (وكل واحد فيهم لديه ميزة) ليقدموا للوطن تصوراً للمستقبل، وكان يمكنهم فى هذا الـظرف التاريخى أن يقبلوا حكما تعاونياً وليس رئيساً فردياً ولو لمدة عامين إنقاذاً للوطن.

وانشغل كل واحد من الـ٨٧ مليوناً بنفسه وبمصلحته. فخرج المظلومون بمظاهرات فئوية واعتصامات، وقطع للطرق، وتعطيل للمصالح، و.. و..، أما «الشرطة» فتركناها ١٣ شهراً وحدها تلعق وتجتر أحزانها.. ولم نحاول تطهيرها ومساعدتها ودعمها لتقف على حيلها من جديد.. مما أدى إلى الانفلات الأمنى وحالة الفوضى المخيفة بالشارع المصرى.. وإذا لم نفعل الآن ونعيد لها الثقة ونوفر لها الإمكانيات فسوف نجد أنفسنا بعد انسحاب الجيش فى حالة سيطرة كاملة للخارجين على القانون (ولهذا حديث قادم)!

والسؤال: كيف؟ وما دور كل واحد؟

أولاً: «المجلس العسكرى».. على سيادة المشير أن يخرج ويتحدث معنا ساعة، اثنتين، ثلاثاً باعتباره رئيسنا وقائدنا.. يحكى لنا كل حاجة بصراحة وبأمانة وببساطة. يقول لنا ماذا جرى.. وكيف جرى.. ولماذا سلكنا هذا الطريق الخاطئ، وكيف أضعنا عاماً من عمر الثورة التى أيدوها وباركوها.. وما الأخطاء التى ارتكبوها (ونحن نقدر لهم حسن النية) وشعب مصر متسامح بشرط الصراحة والوضوح. وبالمناسبة: لماذا لم يحدث تطهير للشرطة ودعمها واللواء: حمدى بدين هو المسؤول عنها؟

ثانياً: «مجلس الشعب» عليه مسؤولية كبرى لتنقية التشريعات والقوانين التى أنتجت الفقر والفساد والتخلف.. ليضع لنا (منظومة) جديدة من التشريعات التى تساعد على نجاح «مشروع النهضة»، والذى ستتقدم به الحكومة الائتلافية التى سيشكلها حزب الحرية والعدالة.

ثالثا: حزب «الحرية والعدالة».. الذى هو ذراع جماعة الإخوان المسلمين عليه من الآن إتمام «مشروع النهضة»، وحساب التكلفة، ومصادر التمويل (للأربعين مليار دولار) التى سنبدأ بها، وأن يحتوى باقى التيارات المعارضة ويقاسمها المسؤولية!

رابعاً: «الإعلام».. هناك بعض منه يعى دوره.. فيجتهد ويتحسن ويجيد.. وهناك من هم مصرون على الاستمرار فى طريق التفزيع والتخويف وتوليع النار.. لدرجة أننى واحد من الذين امتنعوا عن مشاهدة برامج كثيرة باحثة عن الفرقعات.

وأخيراً «نحن المواطنين».. كل واحد منا (يخللى عنده شوية...) ويحترم نفسه فى سلوكه فى الشارع، ولا يكتفى بالفرجة على ما يحدث، وأن يشارك ويتعاون ويسمو على مصالحه الشخصية مؤقتاً بعد أن أصبح البلد بلدنا.

صدقونى: العالم يتفرج علينا.. ورغم أن هناك كثيرين كارهون لنا، فهناك كثيرون راغبون فى الاستثمار على هذه الأرض الطيبة من مغتربين وعرب وأجانب، وتحت أيدينا عشرات المشروعات مدروسة الجدوى، وواحد منها وهو «ممر قناة السويس» كفيل وحده بأن يجعلها (سعودية) ثانية فى العائد السنوى (١٠٤ مليارات $ سنوياً) وكلنا مجمعون على أننا خلال عشر سنوات سنصبح اقتصاداً منافساً.

ولكن نحتاج إلى هدووووء.. وحسم لنبدأ البناء والتعمير..، لأن كل يوم تأخير سيضاعف التكلفة، فهيا بنا نثبت للعالم أن أحفاد الفراعنة على قدر المسؤولية التاريخية بحق.

«روشتة» لسيادة المشير وللبرلمان

بقلم   د. محمود عمارة    ٦/ ٢/ ٢٠١٢
-----------------------------------------

يا سيادة المشير.. نرجوك باسم الشعب المصرى، ولمصلحة هذا الوطن، وللتاريخ الذى يسجل الآن كل موقف سلبى أو إيجابى، وقبل أن ننزلق جميعاً إلى الهاوية.. وحتى لا تجدوا أنفسكم كمجلس عسكرى مطاردين، وربما مسجونين، وتحاكموا أمام محكمة ثورة بقوانين استثنائية.. عليكم الآن أن تفيقوا، وتستوعبوا ما يحدث بالشارع، وتتفهموا وتنفذوا مطالب الثورة، وتفهموا أفكار ورؤية الشباب.. الشباب الذى يصل تعداده إلى ٦٢٪ من الـ٨٧ مليون، ٦٢٪ أقل من ٣٠ سنة.

صحيح أنه من الصعب جداً على من هو فى سن الكهولة بأمراض الشيخوخة أن يجارى، أو يفهم لغة العصر، الذى هو ليس عصره، وصحيح أيضاً أن من عاش فى برج عال، معزولاً عن تفاعلات مجتمعه، واعتاد طوال حياته أن يأمر فيطاع، أن يتقبل أسلوب «الجهر بالحقائق»، الذى يعبر به الشباب عن أنفسهم اليوم.. فكل من تجاوز الستين عاماً الآن هو فى الحقيقة «دقة قديمة» إلا قليلاً من الذين طوروا أنفسهم. وعليه: عليكم أن تقبلوا، وتتقبلوا، وتنفذوا مطالب الشارع التى هى مطالب الثائرين وهى:

أولاً: إعلان فورى لجدول انتخاب الرئيس، بفتح باب الترشح بدءاً من أول مارس، وتجرى الانتخابات أول مايو ليصبح لدينا رئيس مدنى منتخب يوم ٧ مايو.

ثانياً: تشكيل حكومة «ثورية»، بالمعنى الحقيقى، وبلا لف أو دوران، والأسماء التى تملك الروح الثورية والخبرة.. على قفا مين يشيل، مع الاحتفاظ بوزير الداخلية الحالى.. لأن ما جرى كان جزءاً منه هو الإطاحة بهذا الوزير كما حدث مع الوزير أحمد رشدى سابقاً.

ثالثاً: فتح الصندوق الأسود.. الذى هو ملك للشعب المصرى، ليعرف الناس ماذا جرى؟ ولماذا جرى؟ وما هى مسؤولية كل واحد من الذين شاركوا فى دمار هذا الوطن الغالى؟ وإذا كان أحدهم أو بعضهم فى طرة ممسكاً بأوراق أو ملفات ضدكم أو ضد بعضكم،

فأخبرونا واطلبوا السماح والعفو والاعتذار، قبل أن يُفتح الصندوق رغم أنف الجميع، وتتبعثر الفضائح، وتطير السهام فى كل اتجاه، وتزكم رائحة الفساد أنوف المصريين، ونصاب جميعاً بالترنح والذهول ثم الانتقام، وساعتها لن يستطيع أحد حماية أى أحد، وإذا كنتم واثقين من أنفسكم، وليس على رأس أحدكم بطحة.. فحاكموهم بتهمة الفساد السياسى. افتحوا فقط ملف البنك الذى ترأسه عاطف عبيد، أو كشوفاً بأسماء الذين تم تخفيض قيمة الجنيه المصرى بنسبة ١٠٠٪ لصالحهم عندما أصبح سعر الدولار ٦ جنيهات بدلاً من ٣ جنيهات - أو ملفات الأراضى السكنية والتجارية والسياحية، ولاَّ البورصة والطروحات المريبة والاتفاقات المذهلة، و...، و...، والعمولات فى السلاح ونقله، وفى قطع الغيار، ومكاتبنا فى واشنطن وباريس ومدريد - ومشروعات الأمن الغذائى والصناعى والترفيهى، والذى منه!

وإذا فعلت ذلك يا سيادة المشير، فسوف يغفر لكم الشعب أى أخطاء، قد يكون المجلس العسكرى قد ارتكبها خلال فترة إدارته السيئة للبلاد.. وإذا كان هناك من يجب محاسبته فهو السيد ممدوح شاهين، لأنه وبأمانة، هو سبب كل ما نحن فيه من لخبطة.

أما عن مجلس الشعب، فالحقيقة أننى كنت أجلس أمام الشاشة وأنا سعيد وفخور بما جرى فى أول جلسة غير عادية.. وكأننى كنت أشاهد البرلمان الإنجليزى أو الفرنسى، «موضوعية».. «صراحة».. «حرية».. «جدية».. «شفافية»، (رغم أى ملاحظات أو انتقادات)، وكنت أقارن بين «الأقنعة»، و«الغش»، و«الخداع»، و«الكذب الفاضح» فى العصر السابق، وكيف أن كثيراً من المعارضين، حتى الأحزاب كانوا متواطئين أو مستأنسين، وبين هؤلاء الرجال! وبهذه الجلسة التاريخية حصل البرلمان على صك التأييد حتى من أغلبية المعارضين، وأعطانا الأمل فى أنه ليس برلماناً للإخوان أو للسلفيين أو للمعارضين، لكنه أثبت فى هذه الجلسة أنه برلمان كل المصريين. ولهذا نطالبه بالتالى:

أولاً: أن يُصدر قانوناً من ٧ كلمات ينص على: (التزام كل مؤسسات الدولة بتنفيذ أهداف الثورة وهى: «عيش» (بمشروع متكامل للنهضة تقدمه حكومة الثورة).. «حرية» بتطبيق القانون على كل المصريين.. و«عدالة اجتماعية» بحزمة تشريعات تصب فى صالح محدودى الدخل.

ثانياً: البحث عن طريقة قانونية لتعيين نائب عام جديد، وإذا تعذر قانوناً، فليصدروا قانوناً لتعيين نائب عام ثان له اختصاصات خاصة يتولى الادعاء فى الجرائم التى ارتكبها أى وزير أو مسؤول، بمن فيهم رئيس الجمهورية، ويعمل مع المحكمة الثورية، التى سيتم تشكيلها.

ثالثاً: شهداء مجزرة بورسعيد (التى دبرها ونفذها ديول ساكنى ليمان طرة، وحبيب العادلى بالذات مع تلامذته)، يضافون إلى شهداء الثورة، ويتم تكريم الجميع أعظم تكريم، فبفضلهم اكتشفنا من هو «اللهو الخفى»!

رابعاً: من حق المجلس فى هذه الظروف أن يستدعى من يشاء من أعضاء المجلس العسكرى لمساءلتهم عما جرى فى بورسعيد، ولماذا اختفت الشرطة العسكرية من التأمين؟!

خامساً: أن يعقد البرلمان جلسات يومية لإصدار ما يراه من قوانين وتشريعات وتوصيات لعدل «عقارب ساعة المجتمع»، بعد أن تأخر النظام الحاكم كله من المجلس العسكرى والحكومة والبرلمان عن حركة الشارع، وأصبح الشارع الآن، ومنذ ٢٥ يناير ٢٠١١، سابقاً بأميال حركة من يحكمونه، التى فضحت «التكلس»، و«خشونة المفاصل»، و«فروق التوقيت»!

وإذا لم نفعل ذلك، وأضعنا وقتاً إضافياً، فسوف تسير الأمور بالاتجاه المعاكس، وسيدفع الجميع ثمناً باهظاً لا داعى له!

نرجوكم بلاش كبر وتكبر «فصاحب دكتوراه العناد» كان بإمكانه أن يحيا باقى أيامه فى شرم الشيخ، أو حتى فى السعودية، لكن كما تعلمون «فالعند كفر».. فلا تكونوا من الكافرين.. أرجوكم.

مع أجانب بالتحرير

بقلم   د. محمود عمارة    ٣٠/ ١/ ٢٠١٢
----------------------------------------

رغم كل ما قيل من أن الذكرى الأولى لثورة ٢٥ يناير ستكون يوماً دامياً.. وأن هناك مخططات، ومؤامرات لإسقاط الدولة، ورغم تحذيرات البعض لنا، خاصة أن «الأجانب» غير مرحب بهم فى المزاج العام المصرى الآن.. فلم أتردد لحظة فى دعوة ممثلى إحدى الشركات الفرنسية الراغبة فى الاستثمار بمصر، لثقتى الكاملة بأن اليوم سيمر على خير، ولن تحدث أى تجاوزات طالما أن «الطرف الثالث» أعلن عن تركه الميدان، وطلب من الناس حماية أنفسهم، وليتأكد «الأجانب» أن مظاهراتنا سلمية ـ سلمية.. وأن ما يحدث ما هو إلا التطور الطبيعى لأى «ثورة حية».
وأن الوقت الآن هو أنسب وقت للاستثمار قبل الهجوم الذى سيحدث من المستثمرين بعد الهدوء المنتظر!!

دخلنا الميدان من جهة عمر مكرم.. وبفضل بعض الذين تعرفوا على لم يطلبوا منا تحقيق الشخصية، ورحبوا بأصدقائنا الفرنسيين، وكان أحدهم من أصل مغربى عاشقاً لمصر لدرجة أنه أطلق اسم «رمسيس» على طفله الأول!!

عشرات الآلاف «تزحف» لتدور حول صينية الميدان، لنمر أمام «منصة الإخوان» التى كانت «زاعقة» بأصوات مستفزة لتغطى على أى هتاف آخر من شاكلة «يسقط يسقط حكم العسكر».. و«الشعب يريد إعدام المشير».. ويفط معلقة بصور الفاسدين من عصابة آل كابونى.. وفى الأركان ترى بعض كبار السن على كراسى متحركة يستنشقون نسيم الحرية التى حرموا منها لنصف قرن من حكم العسكر!!

أول سؤال بتعجب من الأجانب (بالفرنساوى طبعاً): «إحنا مش مصدقين عيوننا (لعدد الفتيات والنساء) الحاضرات بالميدان، واللائى يهتفن مع الشباب بالحماس نفسه».. وجاء السؤال المحرج: ما نسبة النساء فى مقاعد مجلس الشعب؟

وعملت نفسى مش سامع السؤال بحجة أصوات الميكروفونات والهتافات، وأنقذنى أحد المتابعين لمقالاتى عندما استوقفنى ليسأل: يا دكتور: إنت شاهد على «عمايل الإخوان» اللى جايين يحتفلوا باستيلائهم على ثمار الثورة، ونسوا أرواح الشهداء اللى كانوا السبب فى دخولهم البرلمان؟.. وقاعدين يستعرضوا عضلاتهم وقوتهم على طريقة الحزب الوطنى؟

قلت له: دى مرحلة وهتعدى بسرعة.. وهيضطر الإخوان والسلفيين وغيرهم إلى الهدوء وضبط النفس، وإلا هيخسروا تعاطف الشارع، وبعدين دى أول سنة حضانة على طريق الديمقراطية، وعلينا كلنا نستحمل بعض علشان مصر محتاجانا كلنا لمواجهة التحديات، وإرث ٦٠ سنة من المصايب والكوارث والديكتاتورية.. وليس أمامنا الآن سوى التكاتف والتسامح والتعاون، وأماننا مع «نواب المعارضة» الحقيقية بالبرلمان: عصام سلطان، ومحمد أبوحامد، وأبوالعز الحريرى، وعشرات الأسماء التى لا تتسع لها المساحة.. هؤلاء، رغم أقليتهم، كفيلون بإسقاط حكومات، وجاهزون وقادرون على توجيه المجلس إلى «بوصلة الشارع»، ولن يسمحوا بتمرير أى «صفقات»، وأى «تواطؤ» بين الأغلبية و«الطرف الثالث» الشهير بـ«اللهو الخفى»!!

عبرنا الميدان من عمر مكرم إلى ناصية محمد محمود، ٢٠٠ متر فى ساعة ونصف الساعة.. لندخل كافيه «بلادى» ونجلس بالطابق الثانى المطل على الميدان..

وإذا بمجموعة من الشباب تلتف حولنا وتسأل: هل نحن أغنى من أمريكا؟.. قلت: فسر كلامك.. قال: أنت تكتب لنا دائماً أفكاراً ومقترحات.. فهل يصح أن «أمريكا» بجلالة قدرها عندها حول العالم ٧٦ سفارة فى الـ١٩٣ دولة.. وما شاء الله «مصر» لديها ١٨٣ سفارة حول العالم نفسه.. لماذا؟.. يعنى فى الإكوادور أو بنما لا يوجد مصريون، ولا جذب سياحى أو تجارى وتجد سفارة مصرية.. فلماذا لا نكتفى بنصف هذا العدد.. ونبيع كل هذه المقار من أراض ومبان + توفير كل النفقات والرواتب، وخلال ٣ شهور أو حتى ٦ شهور سيدخل خزانة الدولة خمسة ـ ستة مليارات دولار.. بدلاً من شروط البنك وصندوق النقد!!

س٢: سمعناكم تتحدثون عن مشروع ممر قناة السويس، وحتمية تحويله إلى «سنغافورة» بعمق ٣٠كم داخل شرق القناة فى سيناء.. وبالأمس قرأنا أن وزير الزراعة سيبدأ فى تمليك هذه الأراضى نفسها لواضعى اليد.. فهل المطلوب بيع هذه الأراضى ثم العودة بعد ٦ أشهر لنزع ملكيتها، وخلق مشاكل مع الناس؟.. وإلى متى سنظل نعمل فى جزر منعزلة؟.. ولماذا لا نبدأ فوراً فى تحديد المساحات التى سيحتاجها هذا المشروع القومى الذى سيجعل من هذه المنطقة «سعودية» جديدة للشباب المصرى بعائد سنوى ١٠٤ مليارات دولار، وملايين الوظائف؟

وأفكار، ومقترحات، ورؤى لشباب فى سن العشرين والثلاثين.. فاهمين، وواعين، وناضجين بدرجة تطمئنك على مستقبل مصر.. والفارق بينهم وبين كل الأجيال السابقة أنهم «أحرار» لن يسكتوا، ولن يقبلوا أن يكونوا «مفعولاً بهم» ككل من سبقوهم من جيلنا وما قبلنا، والتى شاركت فى صناعة هذه «الأصنام» التى مازالت تحكمنا بدءاً من المشير وإنت نازل.. فكلهم من بقايا ومخلفات الماضى الكئيب!!

وجاء السؤال الأخير: ما هو المخرج، والحل لما يحدث الآن من وقفات احتجاجية ومظاهرات وانقسامات؟

قلت:

أولاً: على المجلس العسكرى إعلان «فتح باب الترشح» لرئاسة الجمهورية «أول مارس»، ليبدأ كل مرشح فى الحصول على الـ٣٠ ألف توقيع من المحافظات.. لتبدأ الطعون، والدعاية، والمناظرات لعرض ومناقشة البرامج الانتخابية لكل مرشح بدءاً من منتصف أبريل، لمدة ٦٠ يوماً، لتبدأ الانتخابات ١٥ يونيو ثم الإعادة ٢٢ يونيو.. ليبدأ تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب.. ليعود الجيش إلى ثكناته معززاً مكرماً.. وكفى الله المؤمنين شر القتال!!

ثانياً: أن يصدر مجلس الشعب غداً الثلاثاء «قانوناً من سطر واحد» ينص على: «التزام جميع مؤسسات الدولة بتنفيذ مطالب وأهداف الثورة بدءاً من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية».. وبهذا تهدأ الأمور، لنتكاتف جميعاً ونتعاون فى بناء مصر الجديدة التى نحلم بها.. وإذا لم يحدث ذلك فسوف نسمع قريباً الملايين فى الميادين تهتف: «الشعب يريد حل البرلمان»!!

مطلوب ٤٠ مليار دولار

بقلم   د. محمود عمارة    ٢٣/ ١/ ٢٠١٢
----------------------------------------


على طريقة «الفقى لما يسعد».. تلقيت ٤ اتصالات فى أسبوع واحد : ــ 


غداء وحوار مع «السلفيين» بنادى طلخا للصيادلة بالمنصورة ..
ثم عشاء مع المهندس خيرت الشاطر باعتباره المسؤول عن إعداد مشروع النهضة للإخوان المسلمين..
واتصال من د. عبدالمنعم أبوالفتوح، ومن صديقنا حمدين صباحى الذى يستعد كل منهما بمشروع نهضوى ببرنامجهما الانتخابى!

ولم أتردد لحظة فى قبول دعوة شباب السلفيين رغم المعارضة الشديدة من بعض أصدقائى، باعتبار أن الصورة التى صدروها لأنفسهم كانت «مفزعة»، و«مزعجة»، و«مخيفة»، لدرجة أن ١٠٠ ألف مصرى مسيحى قدموا طلبات هجرة إلى كندا وأمريكا.. وكانت «مرهبة» لقطاع السياحة وللمستثمرين فيه، واضطرت مكاتب السياحة حول العالم لإيقاف الحجوزات لزيارة مصر، كما تسببت فى حالة «هلع» لكل المبدعين والمفكرين، ولكل المعتدلين الوسطيين.
 

ولكن بما أننى واحد من المؤمنين بأن «الحوار»، والنقاش، هما الطريق الصحيح للتقارب، ولفهم بعضنا البعض، باعتبار أننا فى مصر ولأسباب مختلفة لا نعرف بعضنا.. فكل فصيل أو تيار ينغلق على نفسه معتبراً أن أفكاره هى الصواب، والآخر إما كافر أو متطرف أو عميل.. ولهذا ذهبت فوراً لأتعرف على الأشخاص، والأفكار، والمنهج.. وكانت المفاجأة لى:

شباب مصرى متفتح جداً.. يناقش يحاور يسأل، ويعترف بأخطاء بعض من تحدثوا باسمهم، وشجبوا كل الآراء المتطرفة، واعتبروها إساءة لهم ولكل المصريين!

فى الندوة كان هناك شباب ومحجبات، وغير محجبات وليس منتقبات، وكبار وصغار.. والكل منصت يحاول أن يفهم وجهات النظر الأخرى، وجميعهم متفقون على أن مصر الآن يجب أن تكون هى الغاية والهدف، وأن علينا أن نسمو على أنفسنا، وأفكارنا، وقناعاتنا لأنه لن يستطيع أى فصيل وحده أن يبنى مصر.. إذن لا مفر من أن نكون «إيد واحدة» لمواجهة التحديات والمخاطر التى تواجه «مشروعنا للنهضة الشاملة».. بعيداً عن الفسافس وصغائر الأمور..

وعلينا أن نصدر للعالم صورة إيجابية بدلاً من الصورة السلبية التى جعلتهم يبتعدون عنا، ويخافون منا، ولا ننسى ما قاله أردوجان عندما قرروا النهضة فى تركيا فكانت رسالتهم الأولى هى: تصفير «جمع صفر» مشاكلهم مع جيرانهم ومع كل دول العالم.. فلم يستفزوا أحداً، ولم يخيفوا أحداً.. حتى مع إسرائيل فقد تقاربوا، وطمأنوا كل القوى الخارجية وتعاونوا وتشاركوا مع الجميع.. والهدف هو أن يساعدهم العالم ويتعاون معهم، أو على الأقل ليأمنوا الشر، ويحيّدوا الأعداء الذين يمكن أن يقفوا بالمرصاد لإجهاض مشروعهم فى النهضة!!

أما نحن فكان أول أخطائنا بعد ثورة ٢٥ يناير العظيمة أننا أرسلنا برسائل سلبية، وزاعقة، وبها قدر من العنجهية والاستعلاء لجيراننا جميعا، ولكل القوى الخارجية. ولهذا تراجع الجميع عن مساعدتنا، وأداروا لنا ظهورهم خوفا من أحفاد الفراعنة الذين يتهددون ويتوعدون.. فماذا هم فاعلون إذا نهضوا، ونجحوا فى إدارة مواردهم وإمكانياتهم!!

أما اللقاء الثانى مع المهندس «خيرت الشاطر».. فكان الحديث عن «مشروع النهضة» وتكلفته، وكيفية الحصول على تمويله..، واتفقنا فى البداية على أن «حكومة حزب الحرية والعدالة»، التى سيتم تشكيلها بعد انتخاب الرئيس.. تحتاج إلى ٤٠ مليار دولار للبدء فى المشروع.. ٢٠ ملياراً لتهدئة الأوضاع الحالية، ولتسكين المشاكل المشتعلة، ولطمأنة الطبقة المعدمة وحمايتها ببعض من العدالة الاجتماعية، خاصة أن الناس نفد صبرها، ولن تمنح لأى حكومة قادمة وقتا.. بالإضافة إلى المتربصين بالإخوان فى الخارج والداخل.. وأنهم إذا فشلوا فستكون كارثة على مصر المنهكة، ولهذا أصبح لزاماً علينا جميعاً التعاون، والمشاركة فى «مشروع نهضة مصر» لمصلحتنا جميعاً قبل مصلحة الإخوان وغيرهم!!

كان السؤال: ما اقتراحاتك وأفكارك عن كيفية التمويل؟ وكيف تعثر على الـ٤٠ مليار دولار بعيداً عن الاقتراض وشروطه؟

واقترحت التالى:

١- بما أن مشروع «ممر قناة السويس» جاهز بالدراسات الفنية والمالية، وبما أن اليابان والصين وكوريا وغيرها سبق لها أن تحمست وجاءت منذ عشر سنوات للمشاركة فى هذا المشروع لولا عصابة الفاسدين التى طفشتها.. فالسريع هو إعادة عرض هذا المشروع بعد أن تم تحديث كل البيانات، فهذا المشروع وحده كفيل بضخ أكثر من المبلغ المطلوب، وقادر على خلق «سعودية» فى سيناء بما سيحققه من أرباح (١٠٤ مليارات دولار سنويا) وخمسة ملايين فرصة عمل!!

٢- طرح رخصة رابعة للمحمول.. على أن تكون شركة مساهمة بالدولار للمغتربين والعرب والأجانب للحصول على عملة أجنبية.

٣- «مدينة للمصريين بالخارج» على مساحة صحراوية بطريق الواحات أو طريق الفيوم أو الكريمات.. مدينة متكاملة.. وبمجرد عرض الخرائط والماكيتات والرسوم للقصور والفيلات والشقق والمحال والمعارض والفنادق وغيرها بقيمة حجز أولى من خمسة إلى عشرة آلاف دولار، سيصلك خلال شهرين خمسة مليارات دولار.

٤- مكتب لاستقبال العائدين من المغتربين الراغبين فى الاستثمار على أرض وطنهم الأم.. يعرض بالقنصليات والسفارات المشروعات مدروسة الجدوى..
وهناك مليون مغترب من أصل عشرة ملايين بالخارج جاهزون ومنتظرون = مليون مصرى * ٥٠ ألف دولار (متوسط) = ٥٠ مليار دولار.
والدليل أنهم حولوا لمصر من ٢٥ يناير الماضى ١٢.٥ مليار دولار أى بزيادة ٤ مليارات عن العام ما قبل الثورة على أن نقدم لهم الحوافز الثلاثة التى يطلبونها من ٢٥ سنة مضت!!

٥- أرض الأمن المركزى + أرض مطار غرب القاهرة بجوار القرية الذكية (المتر بألفى دولار) بحق انتفاع ٩٩ سنة.. للشركات العالمية الباحثة عن استثمارات فى سوق واسعة ولها مستقبل واعد - تصل إلى ٢٠ مليار دولار بسهولة و... و...

وانتهت المساحة قبل أن أقول: اقرأوا التجارب: الماليزية، والبرازيلية، والتركية، والكورية، لتتأكدوا أن لدينا كل شىء، ولكن أمامنا ٣ تحديات هى:

١- استكمال أهداف الثورة حتى نهدأ، ويبدأ البناء «على نضيف».

٢- تأهيل وتدريب الأيدى العاملة، كما فعلت ماليزيا فى ستة أشهر.

٣- نسف المنظومة التشريعية والقانونية التى أنتجها الفساد والتخلف والفقر، بمنظومة جديدة تلائم وتدفع بمشروع النهضة للأمام.

العفريت واللهو الخفى والجنزورى (١-٢)

بقلم   د. محمود عمارة    ١٦/ ١/ ٢٠١٢
------------------------------------------



الكل يسأل: لماذا نظل هكذا «بلاد الفرص الضائعة»؟.. 

ولماذا لا نستثمر بعضاً مما وهبنا الخالق من موارد، وكنوز، وفرص هائلة بالجملة؟.. 
والآن نسأل: من المسؤول عن ضياع «الحماس»، وفقدان رغبة المصريين المبدعين فى المشاركة والتطوع لبناء «مصر الجديدة» بعد ثورة ٢٥ يناير؟

وطوال الوقت نسمع إجابات «عبيطة»، وتفسيرات «هبلة»: 


أصل الأمريكان مش عايزينا نتقدم، أصل إسرائيل هيه السبب، أصل أوروبا خايفة من الإسلام وبتحارب المسلمين، أصل إخوانا العرب بيحقدوا علينا، أصل إحنا بعدنا عن الدين والستات بتمشى متبرجات فبتجذب إلينا الشياطين، وتسمع هلاوس، وتخاريف، ونظريات مؤامرة، وشماعات لخيبتنا وعجزنا!!

والحقيقة التى عايشتها تقول: إن العيب فينا، وإنه لو اجتمعت كل أجهزة المخابرات فى العالم لتخريب مصر فلن يجدوا أفضل من تركنا نأكل بعضنا ونهزم أنفسنا بأيدينا، وسأضرب لكم بعض الأمثلة لفرص كنت شاهدا عليها وباختصار:

عام ٨٦ قدمنا لرئيس الحكومة د. على لطفى عدة مقترحات أبرزها:

١- اقتراح بطابع دمغة فئة ١٠٠ دولار يباع بالقنصليات والمطارات والموانى يسدده المغترب كل سنة، بغرض بناء قصر عينى بكل محافظة مع مركز للبحوث الطبية، يتبارى أبناء كل محافظة من المغتربين فى تأسيسه ورعايته.. وبالحساب وجدنا لتغطية الـ٢٥ محافظة أننا نحتاج خمس سنوات، ونبدأ بعدها إنشاء مركز ومعهد لتأهيل وإعداد التقنيين والفنيين والحرفيين بكل محافظة أيضاً، وبالاتفاق مع إيطاليا وكندا وأستراليا والدول المستوردة للعمالة الفنية يتم الإعداد لدورات تعليم اللغات والتعريف بالعادات والتقاليد والقوانين لتسفيرهم للعمل بعقود مسبقة فى أوروبا والدول الراغبة (إيطاليا وحدها تحتاج سنوياً ٤٠ ألفا)!!

٢- لجذب استثمارات وخبرات المصريين بالخارج، يتم طرح شهادات استثمار من أحد البنوك بقيمة ألف، وألفين، وخمسة آلاف دولار كمقدمات حجز وحدات سكنية (قصور ـ فلل ـ شقق) فى مدينة نموذجية للمغتربين على طريق الواحات، أو طريق الفيوم، أو الكريمات ليقضى فيها المغترب إجازته أو معاشه أو يؤجرها، وهكذا تفعل المغرب وتونس مع أبنائهما بالخارج لجذب مدخراتهم، وربطهم مع الجيل الثانى بوطنهم الأم.. ولم يحدث شىء.

وجاءت حكومة د. عاطف صدقى.. وقدمنا لهم «مشروع» بناء «بيت مصرى» بمدينة العلوم بديزنى وورلد فى أورلاندو، على نفقة ولاية فلوريدا، وتحصل مصر على ثلث الدخل، علماً بأن هذا المكان كان يدخله وقتها ٤٠ مليون سائح، والآن ٦٥ مليون سائح، وعمدة أورلاندو مغرم ومتيم وراغب فى وجود «مصر» كإحدى أدوات الجذب لمدينته.. ونشف ريقى حتى أتى السفير عبدالرؤوف الريدى عام ٩٠ لزيارة المكان المقترح مع عمدة المدينة.. وخطابات من العمدة للرئيس السابق، ولفاروق حسنى، ولوزير الهجرة.. ومازالت المساحة والموقع موجودين مجاناً ومحجوزين باسم مصر، كما هو الحال فى المدينة الجامعية بباريس هدية من ديجول لعبدالناصر.. لبناء بيت مصرى على غرار البيت الإيرانى، والمغربى، والتونسى، واللبنانى، والموزمبيقى، والفساوى، ولا أحد يبالى!!

ومع أن هذه المشروعات كانت كفيلة بنقل مصر خلال ٩ سنوات فى ظل مشروع متكامل للنهضة لنصبح واحداً من أكبر وأهم عشرة اقتصادات فى العالم كما فعلت البرازيل من ٢٠٠٢ إلى ٢٠١١.. وكما فعلت ماليزيا وسنغافورة، وحزب العدالة والتنمية فى تركياــ لكن هيهات.. فالفارق كان شاسعاً بين حكومة شرف الضعيفة وبين هؤلاء الأقوياء!!

عموماً لم نيأس كمجموعة متطوعة مؤمنة بأننا سنواجه «مقاومة» عنيفة من أصحاب المصالح، ومن كبار وصغار الموظفين، ومن منظومة القوانين والتشريعات الفاسدة، ومن «البيروقراطية» العقيمة والروتين العفن.. وسأذكر لكم مثلاً واحداً يمكنكم رؤيته على الطبيعة:

تقدمنا بمشروع اسمه «نهر الأهرام» خلاصته : 

 
أن السائح سينتقل من ميدان التحرير إلى الأهرامات بمركب من «ماسبيرو» إلى مأخذ ترعة المنصورية.. الواقعة بالضفة الأخرى للنيل أمام مستشفى المعادى العسكرى.. ثم يركب «جندول» أو «لنش» من أول الترعة حتى نزلة السمان أمام أبى الهول ١٢ كم بعد تنظيف هذه الترعة من أكوام الزبالة والحمير النافقة.. ومطاعم ومقاهى وفنادق نجمتين وثلاث نجوم على شاطئ الترعة و.. و.. و.. وتم عرض المشروع على خمسين جهة من هيئة تنمية السياحة إلى وزارة البيئة وانبهر الجميع ووافقوا وتم إخطار وزارة الرى.. 


لنفاجأ منذ شهرين بأن الوزارة تقوم بتبطين وتسقيف الترعة بالمسلح.. لماذا يا سيدى؟ لأنهم قبل الثورة كانوا تعاقدوا مع مقاول ودفعوا «مقدم».. طيب يا سيدى لماذا ستدفع وزارة الرى ٣٠ مليون جنيه مسلحات، ونحن سنقوم بعد شهرين بتكسير هذه المسلحات الخرسانية يعنى الدولة تدفع ٣٠ مليونا بناء، و٢٠ مليونا للهدم؟.. 

طيب فين الوزير؟..
مسافر.. مشغول.. أصل فيه تغيير وزارى.. أصل إحنا وقعنا العقد خلاص مع المقاول.. طيب يا سيدى ما تعطوه شغلانة تانية بالقيمة نفسها.. لأ مش ممكن لأن القانون لا يسمح بتغيير المقاولة.. ومازال التسليح مستمراً ويمكنكم رؤيته عند نزلة السمان!!.. فأين العفريت.. وأين إسرائيل وأمريكا والطرف الثالث؟

والآن.. عاد إلينا الأمل مع حكومة الجنزورى الذى كتبت وعبرت عن تخوفى من اختياره رئيساً للحكومة خوفاً من عودته إلى مشروع توشكى الفاشل.. ولكن بعد أن رأينا ماذا فعله خلال المدة القصيرة ، وبالمقارنة بحكومة شرف فنحن مستعدون أن نتعاون معه ونقدم له كل هذه الملفات والمبادرات والأفكار لتنفيذها أو حتى تنفيذ بعضها خاصة أنها لا تحتاج إلى تمويل من خزانة الدولة، ولا نطلب من الدولة سوى «الختم» و«الموافقة»، وردع كل موظف متخلف أو مرتشى والكرة الآن فى ملعب رئيس الحكومة الهمام!!

التجربة السنغافورية

بقلم   د. محمود عمارة    ٩/ ١/ ٢٠١٢
-------------------------------------------



بعد أن تأكد فوز التيار الإسلامى بأغلبية مجلس الشعب بقيادة الإخوان المسلمين، وبما أنه أصبح إجبارياً عليهم الآن الإثبات للشعب المصرى أنهم قادرون على تقديم «مشروع متكامل لنهضة مصر»، وأصبحنا جميعاً مطالبين بالتعاون معهم لإنجاح هذا المشروع من أجل المحروسة .


فها هى «التجربة السنغافورية».. التى استطاعت فى عشر سنوات أن تنقل المواطن السنغافورى من حالة الفقر والجهل والمرض.. إلى أن أصبح أغنى مواطن فى العالم بالدول غير النفطية، فمن ٨٠٠ دولار سنوياً عند بداية مشروعهم للنهضة إلى «٦٢ ألف دولار» متوسط دخل الفرد هناك الآن (متوسط دخل الفرد الماليزى ٢٥ ألف دولار، والأمريكى ٤٥ ألف دولار، والتركى ٢٠ ألف دولار، والمصرى ١٢٠٠ دولار)!!

استقلت «سنغافورة» عام ١٩٦٥، وأدى «يوسف بن إسحاق» اليمين الدستورية لمنصب الرئيس، وعيَّن «لى كوان يو» أول رئيس للوزراء لجمهورية سنغافورة الجديدة.. التى لا تزيد مساحتها على تُسع مساحة سيناء «٧٠٠ كم٢، وسيناء ٦٢ ألف كم٢».. عبارة عن «جزيرة» وحولها بعض الجزر الصغيرة جداً، التى ظلت «منسية» ومهملة لـ«انعدام الموارد»، ولهذا قرروا فى البداية «تحديد النسل»، ثم عادوا الآن بعد عشرين سنة من النجاح والتفوق لتشجيع الإنجاب لنقص الأيدى العاملة التى تحتاجها مشاريع النهضة فى الصناعة، والخدمات، والتجارة!!

قلنا إن مساحتها تُسع مساحة سيناء، وعدد سكانها خمسة ملايين نسمة، وهى أكبر كثافة سكانية فى العالم، ٦ آلاف فرد فى الكيلومتر المربع.. والمجتمع هناك تشكل من مطاريد الدول المجاورة فى البداية ثم أصبح جاذباً للمستثمرين، والتقنيين، والمديرين المحترفين ليتكون الآن كالتالى: ٨٠٪ صينيون، ١٥٪ مالاى، ٨٪ هنود، وآخرون، منهم المسيحيون، والمسلمون الذين استقروا بها أثناء الرحلات العربية التجارية عندما ظهرت أهميتها كميناء بحرى للسفن العابرة.

«دستور» سنغافورة أخذ بالنظام الإنجليزى الذى كان يحتلها وتابعة له.. فالرئيس هناك محدود الصلاحيات جداً، وكل حقه فى الاعتراض على «استخدامات الاحتياطى النقدى الوطنى»، وحقه فى التعيين للمناصب القضائية، والتشريفات فى الاحتفالات والزيارات الرسمية فقط لا غير، أما «القانون» فهى حقاً دولة قانون.. بدءاً من العملية الانتخابية التى تتم من أولها لآخرها بشفافية واحترام للقانون الصارم جداً، والخارج على القانون هناك يحاسب بعنف وقسوة.

عُقب سيجارة فى الشارع غرامته ١٠٠ دولار - وحامل ١٠٠ جرام مخدرات إعدام - والمرتشى مؤبد للمواطن والموظف الصغير - أما المسؤول الكبير إذا تم اتهامه بأدلة فهو «ينتحر» لينقذ شرف العائلة من ازدراء المجتمع لكل من يخون الأمانة، أو يعبث بمصالح الوطن «مش زى عندنا، وبجاحتهم فى عرض الأزياء، والقلاطة، وهم خارجون من القفص رغم تدميرهم للإنسان المصرى، وتخريب الوطن»!

والسؤال: ماذا فعلت «النخبة»، و«حزب العمل الشعبى»، الذى هيمن على السلطة منذ الاستقلال نتيجة النجاحات والقفزات التى جعلت المواطن هناك يتمسك به فى كل انتخابات؟

أولاً: بحثوا عن الإمكانيات والثروات والميزات فلم يجدوا سوى «الموقع الجغرافى» كجزيرة يبلغ طول سواحلها ١٨٠ كم (يعنى طول الضفة الشرقية لقناة السويس، أو طول ساحل سيناء على البحر المتوسط)، وبما أنها تقع جنوب ماليزيا المجاورة لتايلاند، وتشرف على «مضيق ملقا» الواقع بين إندونيسيا والملايو.. فلماذا لا تصبح أهم الموانئ التجارية فى جنوب شرق آسيا لخدمة خطوط الملاحة بين الشرق الأقصى وحوض البحر المتوسط وغرب أوروبا، مروراً بمنطقة الخليج العربى؟

وبدأ «مشروع النهضة» بتحويل الـ١٨٠ كم شواطئ إلى ميناء عالمى أو «محطة» للسفن الرايحة والجاية.. تقدم لها كل الخدمات من الشحن، والتموين، وإصلاح السفن، وتحميلها، وتنزيل البضائع، وإعادة نقلها بالبر والسكك الحديدية.. واكتسبوا سمعة عالية فى «الانضباط، والتجويد، والسرعة المذهلة فى دخول وخروج الحاويات»، (تخليص الجمارك من لحظة دخول السفينة، وحتى خروج الحاوية من باب الميناء يستغرق ٩ ساعات، وفى روتردام بهولندا ١٤ ساعة.. وفى مصر من أسبوع لشهر واثنين)!

ثانياً: بعد نجاحهم فى جذب معظم السفن العابرة بالسمعة الممتازة فى تقديم الخدمات (٢١ مليار دولار عائد الخدمات فقط) - وعندنا قناة السويس بأهميتها التى تفوق موقع سنغافورة مائة مرة لا تقدم أى خدمات نهائياً، واكتفينا بالرسوم، ٤.٥ مليار سنوياً)، رغم وجود الأوناش والمعدات والخبراء والنتيجة «صفر».

وعلى ضفتى القناة لا ترى سوى عسكرى واقف ماسك كلاشينكوف.. ورئيس هيئة قناة السويس مريض، ورغم ذلك تم التجديد له الأسبوع الماضى لمدة عام بعد ١٤ عاماً فوق المعاش.. ليه؟ علشان المحاسيب والحبايب وحق الزمالة باعتباره «فريق سابق»، وبالمناسبة «ميناء دبى» دخله من الخدمات ١٢ مليار دولار سنوياً!

ثالثاً: تحول ميناء سنغافورة بعد النجاح إلى التصنيع الغذائى.. المواد الأولية يستوردونها من الجيران، ويعاد تصنيعها، وتعبئتها، وتغليفها، وتسويقها حول العالم، وهى لا تملك شيئاً لا زراعة لضيق المساحة، ولا إنتاج لحوم ولا ألباناً ولا شيئاً، مثلها مثل هولندا التى تصدر بما قيمته ٢٥٠ مليار دولار سنوياً لمنتجات وبضائع تستوردها من الخارج لتعيد تصديرها بعد بعض الإضافات.

رابعاً: اتجهوا لبناء قاعدة صناعية فى «الإلكترونيات»، ومعدات الحفر العملاقة، والأدوية، والأجهزة بعد أن تم تدريب وتأهيل آلاف الشباب ليصبحوا فنيين وتقنيين، ولتصبح سنغافورة من كبريات الدول فى حجم الصادرات وتحقق ٢٤٠ مليار دولار سنوياً، ولهذا القفز والتطور والتقدم الذى قام فى الأساس على العلم، والتعليم، والتدريب والتأهيل، وبعد أن تضاعف دخل الفرد ٥٠ ضعفاً فى عشرين سنة، أصبح راتب رئيس الوزراء هناك ٢.٥ مليون دولار سنوياً.

والسؤال الأخير لضيق المساحة: كيف نفعلها الآن فى مصر؟

والإجابة فى دراسة متكاملة من أعظم الخبراء المصريين تقول: ممر قناة السويس يمكنه «بدون استثمارات» أن يحقق من الخدمات فقط ١٢ مليار دولار سنوياً، وإذا نفذنا المشروع المتكامل حول قناة السويس نحقق مائة مليار دولار سنوياً.. وغلب حمارنا مع وزارة د. شرف ولم يحدث شىء، ولهذا فالمشروع والدراسة جاهزان «مجاناً» لحكومة الإخوان إن أرادوا.. ولنثق جميعاً أن مصر فى عشر سنوات تستطيع القفز والطيران إلى العالمية بالتركيز فى الجد، بعيداً عن المهووسين، والدجالين، والمحبطين.

مصر فى عيون الفرنسيين

بقلم   د. محمود عمارة    ٢/ ١/ ٢٠١٢
--------------------------------------


رحلة عمل خاطفة إلى فرنسا، بعد مكالمة من إحدى شركات التصنيع الغذائى الشهيرة بمنطقة «نورماندى» لإنتاج وتصنيع وتسويق «كبد البط» Foie Gras وهى «قصة مصرية» سأعود إليها قريباً، كمشروع يمكن من خلاله رفع قيمة الصادرات المصرية بعدة مليارات، باعتبار أننا نملك كل مقومات نجاحها، والسوق الفرنسية وحدها تستهلك منها ٢١ ألف طن، أكرر ٢١ ألف طن، ينتج منها ٨ آلاف طن والباقى يستورد من المجر، وبولندا، وإسرائيل، رغم أن القصة فرعونية ١٠٠٪، ونستوردها فى مصر ليباع الكيلو بألفى جنيه فى «فوشون» بالزمالك ومدينة نصر!

وصلنا شارل ديجول، ومن تحت مبنى المطار كان القطار السريع TGV، ثم بالسيارة إلى قرية مغمورة لا يزيد عدد سكانها على ٦٠٠ نسمة من الفرنسيين الأصليين، لكن على أطرافها يسكن ٢٥٠٠ عامل وتقنى من المهاجرين (مغاربة، توانسة، أفارقة)، يعملون بمزارع ومصانع المواد الغذائية، والمعارض التابعة لها. فندق ضخم بمدخل القرية يعج بوفود أجنبية صينية، وهندية، وإسبانية، ومغربية، كل يبحث عن جذب مستثمرين من ذوى الخبرات، والتقنيات لنقل التكنولوجيا، وفتح أسواق، والمشاركة فى المعارض الجوالة المنتشرة فى كل الأقاليم والمدن والقرى الفرنسية (وهكذا يجذبون ٧٥ مليون سائح سنوياً)، وبمجرد سماع كلمة Egyptian، أى مصريين، اتجهت إلينا الأنظار، وانهمرت عشرات الأسئلة، والاستفسارات، وجاء الحوار كالتالى نصاً:

ماذا حدث؟ لقد انتبه العالم كله إلى «ثورتكم» التى علمتنا دروساً فى التحضر، وتوقع الجميع أن تعود «مصر» لتساهم فى تقدم البشرية، لأنكم ربما لا تقدرون قيمة بلدكم الذى أهدى الإنسانية أعظم حضارة فى التاريخ، ليصبح «أم الدنيا»، وكلنا نتخيل أن لديكم «مشروع مارشال» لنهضة مصر.. فلماذا تعثرت الثورة؟

قلت : الحقيقة أن العالم كله كان متعجلاً لعودة الدور المصرى الحضارى والثقافى والإنسانى، وإذ نشكر لكم ثقتكم فينا كمصريين، إلا أننا وللأسف كبعض الثورات المماثلة وقعنا فى قبضة «فلول» النظام السابق وتلاميذه، الذين تواطأوا مع التيار الدينى المتعطش للحكم، وبجهلهم الفاضح بإدارة شؤون البلاد «توهونا» فى الدهاليز، ومع انشغال الثوار بحماية ثورتهم وانقساماتهم، مع عدم وجود قيادات، وبجهلنا فى الممارسة السياسية، وقعنا فى «الفخ» فتعثرت مسيرة «الثورة»، لأن الثورة كما تعلمون لكى تنجح يجب أن تحكم، أو على الأقل يلبى مطالبها من أنابه الشعب، وفى الحالة المصرية لم يحدث لا هذا، ولا ذاك، بل بالعكس استطاع آخرون «خطف الثمار»، ولهذا حدث الصراع بين «العسكر» و«الثوار» ولن يُحسم هذا الصراع إلا بتنفيذ أهداف الثورة سلمياً ومدنياً، أو بالقوة، أو بالدخول فى مشاكل واضطرابات تسيل فيها الدماء، أو بعودة الوعى والفهم للعسكرى والحكومة ليتعاملوا مع ما حدث على أنه «ثورة» وليس مظاهرات إصلاحية،

وجاء السؤال الثانى من أحد الفرنسيين : نحن نعلم أن حكومتنا من جيسكار وميتران مروراً بشيراك، وحتى ساركوزى كانوا مشاركين فى حماية «مبارك» ونظامه الفاسد، كما فعلوا دائماً مع كل الرؤساء الأفارقة الفاسدين والمستبدين من «بوكاسا» وحتى «القذافى»، لكن نحن كشعوب معكم قلباً وقالباً لتنعموا بالحرية والرفاهية، فبلدكم ملىء بالخيرات من مواد خام وموارد طبيعية، ولا أحد يشكك أبداً فى العبقرية المصرية التى لم تتح لها الظروف لإثبات مواهبها وقوتها وتأثيرها، ولهذا نحن مستعدون للتعاون معكم، وهذا فخر لنا.

- أشكرك سيدى، وأنتم تعلمون أكثر منا العلاقات الطيبة التى استمرت بيننا لسنوات طويلة، ومصر ستظل دائماً صديقاً لكل من يشاركها آلامها وآمالها وطموحاتها، وقد سعدت كثيراً وسوف أنقل هذه السعادة إلى كل أصدقائنا ومعارفنا فى مصر، وأرجو ألا تترددوا فى الاستثمار مع «أم الدنيا»، ولا تنسوا أن أفضل أوقات وفرص الاستثمار هى التى تتم وقت إحجام الآخرين، لأنه بعد أن تهدأ الأمور تتغير الظروف تماماً، وتتضاعف تكلفة الاستثمار.

واستمر اللقاء حوالى ساعة ونصف الساعة، انتهى بالتأكيد على ثقتهم التامة فى «أحفاد الفراعنة»، الذين نجحوا فى الحفاظ على وطنهم متماسكاً رغم كل المؤامرات، والغياب الأمنى، وكل المؤامرات الداخلية والخارجية، والخطايا، والجهل بشؤون إدارة البلاد، فها هم أبناء مصر بالخارج تزداد تحويلاتهم إلى وطنهم الأم من ٨ مليارات فى ٢٠١٠ إلى ١٣.٥ مليار فى ٢٠١١، بزيادة صافية تفوق ٥.٥ مليار دولار، وهى أكثر مما خسرته السياحة من ٢٥ يناير حتى الآن، وها هى الصادرات المصرية تزيد بعد الثورة بـ٢٥ مليار جنيه، أى ٤ مليارات دولار، وهو ما يعادل التسعة مليارات دولار التى تم تهريبها بعد الثورة من اللصوص والفاسدين باعتراف الجنزورى، ولهذا أقول «متخافوش» لأن عقلاء الأمة من النخبة قادرون على حماية المحروسة والنهوض بها للمكانة التى تستحقها وتليق بها، وستنتصر الثورة فى النهاية رغم أنف الجميع، لأنها الطريق الوحيد والصحيح لإحداث النهضة، وتغيير حال المصريين، ولنجدة الأجيال القادمة، والبركة فى المخلصين لتراب هذا الوطن.




اللواء حمدى عبدالكريم «الإنسان» يرحمه الله
عرفته عام ١٩٩٦ عندما جاء باريس للعلاج بمستشفى «جوستاف روسى» من «سرطان بالنخاع الشوكى»، وكانت هناك دكتورة مصرية تسرب لنا المعلومات التى قالت وقتها على لسان «القومسيون الطبى»، بأنه: لن يعيش أكثر من ستة أشهر، وها هو قد عاش ١٥ سنة إضافية، والفضل لله، ولإيمانه العميق بالقضاء والقدر، وبالموقف الرائع لزوجته الطبيبة العظيمة التى أدت دورها بامتياز، فلهم ولكل محبيه خالص العزاء.

french_group@hotmail.com

ارفع راسك فوق إنت «تونسى»

بقلم   د. محمود عمارة    ١٩/ ١٢/ ٢٠١١
-----------------------------------------------

كل من عاش فى أوروبا عموماً، وفى فرنسا خصوصاً، له عشرات الأصدقاء التونسيين «مليون تونسى مقيمون هناك»، وبما أننى شاركت مع المخرج التونسى «رضا الباهى» فى إنتاج عدة أفلام سينمائية منتصف الثمانينيات، وكان جزء كبير من هذه الأفلام يتم تصويره بين «سيدى بوسعيد»، والمرسى، وحلق الواد، وسوسة.. مما زاد معرفتى بحياة شعب تونس الخضراء، وازداد معها عدد الصديقات والأصدقاء، وأصبح لهم لدى حق عرب، بعد أن أكلنا سوياً «عيش وكسكسى بالحوت»!!

وبمناسبة احتفالاتهم اليوم بمرور عام على «ثورة الياسمين»، التى بعثت برسالة إلى كل الشباب العربى بأنه «إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر»، وبالتالى أسقطوا أحد كبار الطغاة والسراق، وأجبروه على الهروب مع زوجته التى كانت وراء كل هذا الجشع المادى، والطمع فى وراثة السلطة، فعلينا أن نعترف بأن فضل الثورة التونسية كان عظيماً فى طمأنة الشباب المصرى بأنه «ممكن»، ممكن خلع طاغية مصر الذى هرب هو الآخر إلى شرم، ولم يخطر بباله أنه سيدخل القفص

ومع الثورة الثانية المقبلة، ربما يحاكم بقوانين ثورية قد تؤدى إلى إعدامه مع كل الذين عرّضوا أمن مصر للخطر، وكل الذين أفسدوا الحياة بالمحروسة، والذين جهلوا معظم أبناء هذا الشعب، وحطموا الشخصية المصرية، وجعلونا هكذا «أمة ضحكت من جهلها الأمم. الفارق بين «بن على»، و«مبارك»، أن «بن على» وعائلته وبعض مقربيه كانوا «لصوصاً» ومستبدين، لكنهم والحق يقال حافظوا على «التعليم» فى تونس كما كان منذ عهد الاحتلال، مروراً بعصر الحبيب بورقيبة، ولهذا تجد معظم التوانسة منفتحين على العالم، ويستطيعون التمييز بين الغث والثمين، وقادرين على إدارة شؤون أنفسهم، ولهذا السبب قفزوا إلى الطريق السليم بأقل خسائر، لتصبح ثورتهم هى «أرخص الثورات» فى التاريخ، وأسرعها فى إعادة بناء نظام جديد يحقق آمال وطموحات الشعب التونسى، وخلال بضع سنوات ستصبح تونس بالستة ملايين تونسى هى إحدى الدول المضيئة والملهمة لشمال أفريقيا، وهم يستحقون!

أما «مبارك» وحاشيته البزرميط، ووارثوه، فهؤلاء كانوا لصوصاً بامتياز، وببجاحة، وبلا ضمير، لأنهم منهجوا أساليب ونظماً للقضاء على الشخصية المصرية بغرض تسهيل «ركوب» هذا الشعب لأقصى مدة ممكنة ليحكمها جمال، وربما الحفيد.. ولم يقرأوا تاريخ هذا الشعب، ولم يتعلموا حرفاً عن حقيقة الشخصية المصرية التى تصبر صبر أيوب، لكنها إذا ثارت فلن يقدر عليها أحد مهما كان.

صحيح أن ما يحدث اليوم من أشياء مخزية ومحزنة ومن فوق لتحت جعل العالم يضرب أخماساً فى أسداس عن مستقبل هذا الوطن، الذى سيتحدد عليه مستقبل الإقليم والمنطقة، ولم يفهموا كيف أن أحفاد الفراعنة يفعلون كل هذا بأنفسهم وببلدهم، لكن المختصين والفاهمين هناك يدركون أن كل ما يحدث على أرض مصر الآن، وما سيحدث فى الفترة المقبلة هو نتاج حقبة حسنى مبارك ومن سبقوه منذ هزيمة ١٩٦٧، التى كسرت وهزمت وحطمت الإنسان المصرى الذى تم طحنه وعجنه وإعادة خبزه فى السنوات الثلاثين الأخيرة.

والسبب الثانى: «البلوة» التى حلت عليه عندما «كلف» الرئيس السابق المجلس العسكرى بإدارة شؤون البلاد، وهو يعلم جيداً أن هذا هو الحل الوحيد لإنقاذه من حبل المشنقة، وأمله الوحيد فى الوصول بالبلاد إلى حالة الفوضى التى ستمكن ولديه من الهروب، وليثبت لنفسه وللعالم أنه كان محقاً فى استبداده بهذا الشعب الذى قال عنه هو وعمر سليمان إنه شعب قاصر، ولا يستحق الحرية أو الكرامة!!

ولهذا تجد «الفلول» الآن يفركون أيديهم، ابتهاجاً بما يحدث الآن، ليثبتوا أمام أسرهم وأبنائهم أنهم كانوا على حق فى تأييد مبارك، ولم يدركوا أن «الثورة» الحقيقية آتية لا ريب فيها، وسوف تعاد محاكمة كل من شارك فى تعريض أمن وسلامة هذا الوطن لمثل هذا الخطر.

تحية للشعب التونسى، وألف مبروك لهذا «التوافق» المحترم، ومليون سلام لكل الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم، وتحية خاصة إلى صديقنا مسيو «منصف المرزوقى» الذى كان يعيش معنا فى باريس، وظل صامداً طوال ٢٣ سنة يقاوم ظلم بن على، وها هو اليوم رئيس مؤقت لشقيقتنا أم «أبى القاسم الشابى»، و«بوعزيزى».. وبقدر فرحتنا بالاحتفالات الموسيقية بكل المدن التونسية التى خرج فيها كل أبناء الشعب هناك يرقصون، ويغنون، ويتمايلون طرباً وفخراً بما حققوه، نعدهم بأن «أحفاد الفراعنة» سيلحقون بهم، وستعم الفرحة قلوب المصريين، وستعود الابتسامة إلى الوجوه قريباً جداً، لأنه لن يصح إلا الصحيح، وعلى الكل أن يفهم ويستوعب ذلك، بعيداً عن الغطرسة والتعالى وحقناً للدماء!!

« وزارة » لإعادة بناء الإنسان

بقلم   د. محمود عمارة    ١٢/ ١٢/ ٢٠١١
---------------------------------------------

 
يوم الإثنين الماضى، وأثناء التعثر فى تشكيل الحكومة.. اتصل بى صديقنا المحترم د. إبراهيم فوزى، وزير الصناعة فى عهد الجنزورى ١٩٩٥، يسألنى: هل توافق على مقابلة رئيس الحكومة غداً «لترشيحك وزيراً للاستثمار»؟

فى البداية وافقت بشروط .. ثم طلبته مرة ثانية وقلت له: استثمار إيه؟.. وبأى عين يمكن الحديث مع أى مستثمر أجنبى أو عربى، أو حتى مصرى فى ظل هذا الانفلااااااااااااات العام؟.. ولو كان لى رأى فقل للدكتور الجنزورى انس حكاية «وزارة للاستثمار» فى هذه المرحلة، وإذا أمكن، فالمطلوب هو «وزارة للتدريب والتأهيل والانضباط» وزارة جد بجد، وليس «كلاماً» للاستهلاك المحلى.. كما حدث عام ٨٤ عندما اختاروا الفريق كمال حسن على رئيسا للحكومة وهو فى زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، وفى طريقه لتسلم وظيفته توقف بباريس، وعقد معنا اجتماعاً بمنزل السفير رفيق صلاح الدين، ليقرأ علينا «خطاب التكليف».. الذى جاء أول سطر فيه:

إن الواجب الأول للحكومة هو: «إعادة بناء الإنسان المصرى بالتدريب والتأهيل والانضباط».. بعد ٣٢ سنة من ثورة ٥٢!! وقد رأينا من ٨٤ وحتى الآن.. ماذا فعلوا بالإنسان المصرى؟.. الإنسان المصرى الذى لم يستثمر فيه «مليم أحمر»، لا فى تعليمه، ولا فى صحته، ولا فى تأمين مستقبله، ولا حتى فى توفير مدفن له عند وفاته بأى مرض أصابوه به.

«الإنسان المصرى».. الذى كان فخراً لنا فى أى مكان بعالمنا العربى.. الذى اعتمد فيه على «المصريين» بدأ من مدرسى اللغة العربية بالجزائر وبلاد المغرب العربى وحتى اليمن، ومن مهندسيه وخبرائه وقانونييه لإقامة البنية التحتية والفوقية بدول الخليج.. «الإنسان المصرى» الذى انطبق عليه كثير من «المواصفات القياسية للإنسان» فى الأدب والتربية، والثقافة، والنشاط، والانضباط إلى أن «انهار» فى ٦٧.. ثم قامت قيامته فى ٧٣ التى أعادت له الروح.. ثم وضعناه فى «خلاط» لنشرب منه كل السلبيات بعد تهجيره للبحث عن الريال والدينار والدولار!!

«الإنسان المصرى».. الذى تحمل كل أنواع القهر، وكل أشكال التجهيل، وكل صور الفساد والإفساد والتهميش.

هذا الإنسان الذى أصبح «مشوهاً» نتيجة لما جرى له.. يحتاج الآن إلى رعاية خاصة.. إلى علاج نفسى يبث فيه الأمل، لطمأنته وتهدئته.. يحتاج إلى إعادة تأهيله بالتدريب العملى والتعليم الحقيقى.. ولدينا النموذج الماليزى الذى بدأ فى ١٩٨١ عندما جاء «مهاتير محمد» وقرر «بناء ماليزيا الجديدة»، وكان التحدى الأكبر هو الإنسان الماليزى المنهار، والذى لا يصلح لأى شىء سوى زراعة أشجار المطاط، والتسكع فى الحوارى، ومنافسة الحيوانات بالغابات، وإدمان الخرافات واصطياد الشائعات، واختلاق المشاكل بين الأديان والمعتقدات (كان هناك ٣٢ ديانة ومعتقداً) وكانت الأمور تبدو معقدة ومستحيلة وتحتاج إلى معجزات!!

وكان أول قرار لـ«مهاتير محمد» هو: فتح كل معسكرات الجيش أمام الشباب والفتيات من ١٨ إلى ٤٠ سنة لإعادة تأهيلهم وتدريبهم وتعليمهم خلال ٦ أشهر.. لا يخرجون من المعسكر إلا مرة واحدة كل ٤٥ يوماً حتى لا يتلوثوا بما يحدث فى الشارع، أو فى منازلهم وليعتادوا على حياة «الانضباط».. لإعمال الساعة «البيولوجية» فى الصحيان مبكراً والنوم مبكراً.. وليتعلموا المسؤولية الشخصية.. وخلال الستة أشهر يتعلم كل مجموعة «حرفة» ستحتاجها «الخطة» (مائة ألف ميكانيكى ـ مائتا ألف خراط وحداد ـ خمسون ألف مهندس ـ خمسون ألف تقنى وفنى ـ ثلاثون ألف مدير تنفيذى).. وهكذا طبقاً لاحتياجات الخطة التى تقرر أن تكون خلال تسع سنوات فقط، لتصل ماليزيا من أسفل السلم إلى قمته، وليرتفع دخل الفرد من ٦٠٠ دولار سنوياً إلى ١٨ ألف دولار ثم ٢٥ ألفاً فى المتوسط.

ولم يكتفوا بحلم الاكتفاء الذاتى، والانغلاق على أنفسهم.. بل كان الحلم أكبر وأوسع «بغزو الأسواق العالمية»..

والسؤال: ماذا ينقصنا لكى نبدأ من الغد فى الإعداد «لمعسكرات تدريب وتأهيل وإعداد» كل من هم فى سن العمل لتجهيزهم للمشاركة فى بناء «مصر الجديدة»؟
 
«المعسكرات» والحمد لله فى كل أركان الجمهورية.. و«الشباب» طوابير على المقاهى والغرز.. و«المعلمون والخبراء»، من المصريين بالخارج والداخل بيتنشأوا على فرصة للمشاركة فى بناء طوبة بجدار هذا الوطن كمتطوعين.. و«التمويل» بربع ثمن قطعة أرض واحدة من المعسكرات أو المطارات الملاصقة للعاصمة (مطار غرب القاهرة بجوار القرية الذكية يمكن نقله ٥٠ كيلومتراً فى الصحراء المجاورة.. أو أرض معسكر الأمن المركزى الملاصق له يمكن تأهيل وتدريب وتعليم وانضباط ٥ ملايين شاب وفتاة خلال ستة أشهر ستحتاجهم خطة بناء مصر بعد انتخاب الرئيس القادم..
 
فلماذا لا نستعد من الآن..  ونحن جميعاً نعلم أن «التحدى الحقيقى» هو:

١- إعادة بناء الإنسان المصرى.
٢- إعادة بناء «التشريعات، والقوانين، واللوائح، والقرارات» التى تمكن البيروقراطية المصرية العقيمة والروتين العفن من القفز على التخلف إلى التطور والتحديث والتقدم. 

إذن أصبح ملحاً ومطلوباً الآن: استحداث «وزارة لبناء الإنسان» تتولى شؤونه، وتعيده إلى ما يجب أن يكون عليه، لتنطبق عليه المواصفات القياسية للإنسان الحديث والمتحضر.

أرجو أن يتبنى «المجلس الاستشارى» هذه الأفكار، لتضعها الحكومة فى أولوياتها لنتحرك بالتوازى فى التأسيس للمستقبل وحتى لا نضيع وقتاً أكثر مما ضاع!!

دروس الثورة الفرنسية

بقلم   د. محمود عمارة    ٢٨/ ١١/ ٢٠١١
------------------------------------------------

لعل التكرار يعلم الشطار.. أعيد نشر هذا المقال للمرة الثالثة بعد نشره فى ١٤ مارس الماضى، ثم فى يونيو الماضى، وها هو للمرة الثالثة:

هو مستشرق فرنسى مقيم بمصر منذ أربع سنوات، ومجنون بالتاريخ المصرى والحضارة الفرعونية ككل الفرنسيين.. على مدى السنوات الأربع كنا متفقين على أن هناك «ثورة» قادمة، وحددنا لها تاريخ ٢٠١١- ٢٠١٢.. ولكن كنا مختلفين على من سيقوم بها.. كان رأيى أنها ستكون «ثورة جياع».. وكان رأيه أنها ستكون «ثورة غضب» ضد الظلم.. ضد الفساد.. ضد الثروة التى احتكرها ربع فى المائة من الثمانين مليوناً!!

(كانت فرنسا قبل قرنين هى حاملة لواء الزعامة فى أوروبا، ومركزا للإبداع والتفوق والصدارة.. حتى ابتليت بالملك لويس الخامس عشر الذى كان غارقا فى ملذاته وفُحشه، وانعزاله عن شعبه بفضل «الحاشية» المبتذلة والفاسدة من النبلاء ورجال الكنيسة، التى كانت لا تعترف بأى سلطات للأمة أو حق مشاركتها فى اتخاذ القرار، فكثر اللصوص من كبار موظفى الدولة والمديرين، وكل من يعينهم الملك أو زوجته أو الدائرة المقربة من البلاط.. وازداد عدد «المنافقين» المستفيدين من النظام.. ولكنهم جميعا كانوا «قلة» بالمقارنة بالملايين المحرومة!!

وفى ظل هذا الفوران الشعبى، سطع نجم بعض ممثلى الشعب.. وظهرت الصحافة الحرة لأول مرة، ونشأت الأندية والجمعيات الثقافية التى أصبحت قوة فرضت نفسها على الساحة، وصبت نار غضبها على زوجة الملك وحاشيتها الذين وصل بهم الأمر إلى رفت كل من يخالف أوامرهم.. وتحت ضغط المظاهرات والأفكار الثورية، سقط الملك وألغيت الملكية.. وتمت محاكمة الملك وزوجته بتهمة التآمر ضد الشعب.. وفى ٢١ يناير ١٧٩٣ تم إعدامهما «بقطع رأسيهما بالمقصلة» أمام الجماهير، ومعهما أكثر من ١٥٠٠ من المعاونين والداعمين.. لتصبح أكبر مذبحة علنية فى التاريخ!!

وفى غمار الفرحة بدأت «الأخطاء»:

١- عندما انقسم «الثوار» وتركوا الفرصة ليتجمع فلول وأذناب الملكية، وكل من أضيروا أو تخوفوا من الثورة.. للقيام بعدة ثورات مضادة بأشكال متعددة، وبطرق جهنمية.

٢- والخطأ الثانى عندما انشغل الثوار بالاتهامات والتخوين والعمالة، ومن كان مع الثورة ومن كان ضدها.. لتبدأ مرحلة الصراع الدموى، التى وصلت إلى حد «إعدام» بعض «الثوار» بنفس المقصلة وفى نفس الميدان.. ميدان الباستيل، وبيد رفاقهم، كما أعدموا بعض العلماء الذين شكّوا فى ولائهم أو توانوا فى أداء مهامهم.

٣- وفى ظل انتشار الثورات المضادة التى نجحت فى تقسيم الثوار بالشائعات والدسائس.. عوقبت مدن فرنسية بأكملها مثل ليون وطولون بعقوبات جماعية، لمجرد إظهار تململها من الثوار بعد أن ساءت الأحوال الاقتصادية، وانتشر الفقر، وازداد الناس بؤسا، لتبدأ عمليات الخطف والاستيلاء على الممتلكات الخاصة وانتشار البلطجة والسرقات وتفشى الجوع والخوف.. مما سهّل صعود نابليون بونابرت إلى عرش الحكم كأول رئيس لأول جمهورية فرنسية فى ١٨٠٤، بعد عشرين سنة من الاضطرابات والمذابح والفوضى.

باختصار: كانت أخطاء الثورة الفرنسية كالتالى:

١- انشغال الثوار بتصفية الحسابات والجرى وراء الشائعات والاتهامات، ومحاولة البعض خطف الأضواء وجنى الثمار، والبحث عن زعامات.. مما جعل «الثورة تأكل أبناءها» بإعدام بعضهم البعض.

٢- نجاح الثورات المضادة فى تجييش الطبقات الفقيرة التى زادت معاناتها، مما دفعها للتململ والتمرد والاعتصامات والاحتجاجات، وجعلتهم يترحمون على أيام الملك.

٣- طول مدة الحركة الثورية، التى استمرت لعشرين سنة بعد الثورة، أدى إلى انهيار الاقتصاد القومى، فانتشرت الدعارة وعمليات النصب والاحتيال وازدادت الفرقة بين الناس).

وقبل نهاية الجلسة جاء السؤال: كيف ترى الثورة المصرية؟.. وما هى الأخطار من وجهة نظرك؟ وجاءت الإجابة على لسانه عندما قال: حتى الآن هى أعظم الثورات على مر التاريخ لسببين:

أولهما: أنها سلمية - بيضاء - نقية، وبلا تكلفة.. مع كل احترامنا وتقديرنا للشهداء والمصابين، وعليكم برعاية أسرهم ولا تنسوهم أبدا.

ثانيهما: أنها ثورة بلا قيادات، وكل واحد من الشباب ينكر ذاته.. وقلة نادرة هى التى تحاول جنى الثمار وستفشل.. ولهذا لا خوف من أن تأكل الثورة أبناءها حالياً.

أما المخاطر فهى هائلة ومخيفة للأسباب التالية:

أولا: ضعف الاقتصاد المصرى.. وفقر وجهل وعشوائية الملايين الذين يمكن دفعهم إلى مظاهرات واحتجاجات، لا يمكن حساب نتائجها إذا طال زمن تلبية مطالبهم، خاصة أن أغلبيتهم من موظفى الدولة الذين كانوا يعيشون على «الإكراميات» أو ما نسميه نحن «الرشاوى».. ونظرا لتوقف المستثمرين عن التوسع فى مشروعاتهم أو بدء مشروعات جديدة، والقبض على اللصوص من كبار رجال الأعمال سيحرم هؤلاء من «الفارق» بين رواتبهم والتزاماتهم.. مع احتمالية ارتفاع أسعار الغذاء فى الأشهر المقبلة.

ثانياً: إذا تأخرت الحكومة فى طرح مشروعات قومية لبث الأمل، وجذب استثمارات أجنبية وعربية، وتقديم «مشروع تنموى» يماثل مشروع مارشال الذى أعاد بناء أوروبا، فسوف تجدون أنفسكم فى خطر كبير، ولن أقول «ثورة جياع» فى العام القادم ٢٠١٢!!

ثالثاً: التسرع فى نقل السلطة من الجيش إلى الشعب خلال ستة أشهر سوف يعطى الفرصة لـ«جماعة الإخوان» بكل تياراتها وأطيافها للقفز على السلطة.. وتدخل مصر فى «دوامة» أو فى طريق مسدود.. وهذا للأسف احتمال كبير جدا!!

رابعاً: عليكم أن تعلموا أن «أعداء الثورة» أكثر عدداً وتنظيماً وتغلغلاً فى المؤسسات الرسمية، وسوف يحاولون إفشال هذه الثورة، لتقليب الشعب عليها!!

ولكن فى النهاية أقول لكم: «إننى أثق فى عقل وحكمة وعبقرية المصريين، ومخزونهم الحضارى.. ومازلت أراهن على أحفاد الفراعنة»!!

رغيف العيش

بقلم   د. محمود عمارة    ٢١/ ١١/  ٢٠١١
-----------------------------------

ما شاء الله.. وكأننا دولة بترولية ثرية.. لديها فوائض وخزائن وأرصدة.. ولا ينقصنا سوى «الديمقراطية».. الديمقراطية التى اختصرناها فى «صناديق الانتخاب».. ونسينا أن أساس البناء الديمقراطى، وتأسيس النهضة يبدأ بتأمين «رغيف العيش»!!

متجاهلين تجارب دول أمريكا اللاتينية، التى اهتمت فى الثمانينيات بالبناء الديمقراطى، وهللت، وزغردت للصناديق الزجاجية الشفافة فى الانتخابات.. ونسوا «الإنجازات الاقتصادية».. فكفر الناس بالديمقراطية، وخرجوا للشوارع مطالبين بإسقاط هذه الديمقراطية التى عجزت عن توفير «الخبز»، ولم تحقق للناس معيشة أفضل!!

ولهذا أتعجب ومعى كثيرون.. من الأداء الردىء «للنخبة المصرية الدينية والليبرالية» القائدة لحركة المجتمع، التى انهمكت فى التحليل، والتنظير، والاستقطاب، والبحث والتنقيب لتغرقنا فى أعماق بحور السياسة، وهى تعلم أننا فى سنة أولى «كى جى وان»، والبلد فى وضع حرج، والتركة ثقيلة وخطيرة، ولا يمكن لهذا المجتمع أن يتحمل كل هذه الانشقاقات والصراعات، والتيه فى دهاليز العمل السياسى باختلاق قضايا جدلية، واصطناع مشاكل أدت إلى فقدان الثقة، وضياع الأمل، وخلقت لنا عداوات مع دول كثيرة كان يمكن أن تتعاون معنا، أو على الأقل نسلم من شرها..

 وبدت «النخبة» وكأنها مجموعة بهلوانات، وحواة يلعبون أدواراً على السيرك المنصوب، والناس تضحك على «الباحثين عن أدوار»، وتهزأ من «الكومبارس»، وتحتقر «الانتهازيين»، وترتعب من المتطرفين، والبعض يتملق الشارع أو حتى العسكريين!!

هذه «المجموعة العسكرية» من «النخبة» الحاكمة هى التى أوقعت المجتمع فى شر أعماله، ووضعت العربة أمام الحصان، لافتقادها الروح الثورية، وبطئها فى اتخاذ القرار، وهى التى أجهضت الثورة ومنحت الفرصة لـ«الفلول» لكى يخرجوا من الجحور، ويحمَّلوا الثوار كل خطايا وميراث ولى نعمهم، ويجاهروا بأن عصر مبارك كان الأفضل مائة مرة مما نحن فيه الآن بعد سقوط الأمن، وسيطرة البلطجية وقطّاع الطرق، وضيق سبل الرزق.

وهو ما حدث بالضبط فى الدول الأفريقية.. بعد أن نجحت فى طرد الاستعمار، وإحلال «النخبة» من أبناء البلد لتتولى الحكم، فتحولوا إلى عصابة من «الفاسدين»، ولم يهتموا برغيف العيش، وتجاهلوا احتياجات المواطن.. فخرجت الشعوب الأفريقية تطالب بعودة «الاستعمار» الذى أنجز لهم السكك الحديدية، والطرق، وبعض المدارس والمستشفيات وفرص العمل.

والسؤال الآن: هل ننتظر حتى يكفر المصريون بالديمقراطية.. ويطالبوا بحاكم «ديكتاتور» على شاكلة فرانكو، أو موسولينى؟

والحل هو: تحقيق إنجازات اقتصادية.. وأولها: تأمين «رغيف العيش».. الذى هو الضامن والضمان لتأسيس النهضة.. 

والمطلوب:

أولاً: ضرورة عقد مؤتمر اقتصادى فورى.. يشارك فيه كل العلماء والخبراء والمتخصصين من المصريين بالداخل والخارج.. لنضع «خارطة طريق» تحدد لنا الهدف، والاستراتيجية، والآليات، والتكلفة، وكيفية التمويل للمشروعات القومية التى تحتاجها النهضة الزراعية للاكتفاء الذاتى من الغذاء بنسبة ١٠٠٪.. و«القمح» على رأس الأولويات.

ثانياً: دعم مراكز البحوث الزراعية بما يعادل راتب «مدربى الكرة» والحكام الأجانب وأندية البترول والجيش والشرطة، لتجهيز «تقاوى» بذرة قمح تكفى لزراعة الـ٣.٢ مليون فدان التى نزرعها سنويا، وهذه التقاوى تنتج من ٢٤ إلى ٣٠ إردباً للفدان، كما هو الحال فى تقاوى «مصر ١ + مصر ٢».. (اضرب ٣.٢ مليون فدان * متوسط ٢٧ إردباً * ١٥٠ كيلو = ١٣ مليون طن (نحن ننتج ٦ ملايين، ونستورد ٩ ملايين طن سنويا، لنصبح أكبر مستورد للقمح فى العالم)!

ثالثا: الزراعة «بالتسطير» أى بالميكنة الحديثة والصالحة حتى لفدان واحد لتوفر فى التقاوى من ٩٥ كيلو/ فدان إلى ٦٥ كيلو/ فدان.

رابعاً: اختيار الأصناف المناسبة لكل محافظة مع توفير التقاوى قبل الموسم، وبسعر القمح العادى حتى يقبل الفلاحون على شرائها واستخدامها (سعر الشيكارة الآن ١٢٥ جنيهاً - فلماذا لا توزع بـ٨٠ جنيهاً مثلا)؟!

خامساً: استحداث قطاع بوزارة الزراعة.. يجمع بين: مركز البحوث للتقاوى + مراكز الإرشاد + أصحاب ومديرى الصوامع + ممثلين لكبار وصغار ومزارعى الحبوب + التعاونيات.. حتى لا يعمل كل واحد فى جزيرة منعزلة كما هو الحال الآن.

سادساً: بناء ٥٠ صومعة بكل محافظة «فى المتوسط» كل صومعة تستوعب ٥ آلاف طن ثمنها ٢.٥ مليون جنيه «استيراد من رومانيا»، أو يتم بناؤها محليا بالأسمنت والتكلفة مليون جنيه فقط.. وبهذا نوفر ٢ مليون طن تأكلها العصافير، والفئران، والسرقات، والأتربة بالطريقة الحالية فى التشوين.. وبهذا نكتفى ذاتيا بنسبة ١٠٠٪، ولا نحتاج شيئاً من أى أحد ويصبح قرارنا من رؤوسنا، ونبطل نمد أيدينا.

سابعاً: نجاح وزير الزراعة، واستمرار الوزارة مرهون بتحقيق الاكتفاء الذاتى من الحبوب خلال موسمين زراعيين - الموسم الأول لتجهيز التقاوى، والمطلوب ٢٥٠ ألف طن تقاوى من مساحة ١٢٥ ألف فدان.. والموسم الثانى لزراعة الـ٣.٢ مليون فدان بالتقاوى المنتقاة، وبالطرق العلمية المعروفة.. وللانتهاء من بناء الصوامع المطلوبة للتخزين.

وبهذا لن نحتاج لأكثر من موسمين زراعيين أو حتى ٣ مواسم لنكتفى ذاتيا، ونضمن أن «رغيف العيش» من صنع أيدينا، كما فعلت دول كثيرة أقل منا ١٠٠ مرة!!

اقرأوا «التجربة الفساوية».. لتعرفوا كيف استطاعت دولة بوركينا فاسو أن تكتفى ذاتيا من الحبوب فى ٣ سنوات.. وأصبحت أيضا أولى دول أفريقيا فى إنتاج وتصدير القطن لتتربع على عرش الذهب الأبيض فهل نحن أقل من بوركينا فاسو؟!
الخلاصة: إن القضية فى الإرادة والإدارة، لا أكثر ولا أقل!

تجربة «الأسواق الفرنسية»

بقلم   د. محمود عمارة    ١٤/ ١١/ ٢٠١١

بما أن السيد محافظ القاهرة قد أعلن الأسبوع الماضى عن أنه يفكر فى إقامة «سويقات» بكل حى من أحياء القاهرة، حتى يتمكن المواطن من شراء السلع والمواد الغذائية من المنتجين مباشرة لقطع أيادى الوسطاء والسماسرة المتسببين فى الارتفاع الجنونى للأسعار، فها هى «التجربة الفرنسية» حتى نستفيد منها إذا طبقناها بحذافيرها، حتى لا نكرر الأخطاء نفسها بمحاولات «اختراع العجلة» من جديد.

هناك الرئيس «ديجول».. رغم قناعته بالفكر «الليبرالى» كمؤسس وزعيم للحزب «اليمينى»، ورغم إيمانه بالاقتصاد الحر وآليات السوق.. فإنه كان «يفهم» و«يعى» جيداً خطورة هذا «الفكر» إذا لم تحكمه «ضوابط» صارمة، و«نظم» عادلة، وقوانين حاسمة. فماذا فعل الجنرال «ديجول» لحماية المستهلكين من جشع بعض التجار، واستغلالهم؟

أولاً: بجانب قوانين منع الاحتكار، وحرية تداول المعلومات والبيانات.. وإنشاء محاكم تجارية متخصصة.. وإصدار حزمة قوانين رادعة، وقاسية تضع أى «مخالف» وراء القضبان فقد بدأ بالتالى:

١- منح الشرطة حق الضبطية القضائية، وذلك لمساعدة مفتشى التموين، والصحة على أداء دورهم كـ«رقابة حكومية».. فمن حقها مطالبة أى تاجر بإبراز فواتير شراء السلعة + إجبار التاجر على كتابة «السعر» فوق السلعة المعروضة للبيع + التأكد من تاريخ الإنتاج والصلاحية.. إلخ وتحرير المخالفات، ليحكم فيها القضاء بالغرامات الهائلة، أو إغلاق المحل، أو سحب التراخيص، والحبس عند التكرار

 ٢- بجانب الرقابة الحكومية شجعت الدولة ودعمت «الجمعيات الأهلية» وسلحتها لتقوم بدور «الرقابة الشعبية» لملاحقة التجار المخالفين، والغشاشين. ونظرا لمشاركة المحامين، والشخصيات العامة، والصحفيين كمتطوعين بهذه المجتمعات، أصبحت أقوى من الرقابة الحكومية فى الدفاع عن حقوق المستهلكين، بعد أن أصبحت لها ميزانيات ضخمة من التبرعات، وصحف تنطق باسمها، وبرامج تليفزيونية تعبر عن رأيها، و«لوبى» داخل قبة البرلمان لإصدار أو تعديل القوانين لحماية المستهلكين.

ثانيا: قبل أن يوافق «ديجول» على التصريح بإنشاء «سلاسل» تجارية فى الستينيات- مثل «كارفور» أو غيرها- اشترط أن تكون هذه «السلاسل» على أطراف المدن لحماية «البقالين» ومحال السوبر ماركت الصغيرة.. والأهم أنه «ألزم» المجالس المحلية فى كل أنحاء فرنسا بإحياء فكرة «الأسواق الشعبية» وزيادة عددها بكل قرية ومدينة، وحى.. «باريس مقسمة إلى ٢٠ حياً- بها ٩٥ سوقا شعبية- تباع فيها السلع من المنتج إلى المستهلك- مواد غذائية من لحوم- أسماك- ألبان- خضر وفاكهة+ أدوات منزلية+ ملابس شعبية+ أنتيكات+ نباتات زينة وزهور، وورود». بالإضافة إلى «المعروضات الحقلية» على الطرق وأمام كل مزرعة.. والتى تقف زوجة المزارع بنفسها تبيع للجمهور منتجات المزرعة بأسعار تقل ٣٠ و٤٠٪ عن ثمنها + «معارض» محلية على مستوى القرى لمنتجات كل إقليم، تبيع للزائرين والسائحين منتجات طازجة وبأسعار الجملة. لماذا ٤ أسواق بكل حى فى باريس والمدن الكبرى؟

١- حتى لا تنفرد السلاسل التجارية بالمستهلكين، وحتى لا تسغل المحال الصغيرة وترفع الأسعار بالاتفاق مع بعضها، فتضر بالمواطنين.

٢- لمنع وتقليل «الوسطاء» الذين يحصلون على «قومسيونات» متعددة بلا داع فيتسبب ذلك فى غلاء الأسعار.

٣- لتقليل الفاقد.. الذى يحدث مع كثرة التداول من يد إلى أخرى- وكلما زاد الفاقد لدى التاجر، أضافه للسعر الذى يدفعه المستهلك.

٤- «الصحة العامة».. هذه «الأسواق الشعبية» مغطاة، ومجهزة، ونظيفة لحماية السلع من «التلوث» الذى تتعرض له على الأرصفة، والشمس الحارقة التى تتسبب فى فسادها.

٥- «سهولة الرقابة».. سواء كانت رقابة حكومية أو شعبية، فمكان «السوق» محدد، ودائم.. واسم التاجر مكتوب على الرخصة لدى الجهة المؤجرة والمشرفة.

٦- «سيولة حركة المرور» بالشوارع والحوارى والميادين المكدسة بالباعة الجائلين.. الذين سيتم تجميعهم ومنحهم تصاريح وأماكن محددة لعرض سلعهم مقابل إيجار رمزى للنظافة.

٧- «الشكل الحضارى».. فى الغرب لا يعتبرون هذه «الأسواق» مكانا لتبادل السلع فحسب، لكنها أيضاً لتبادل الأفكار، والآراء، وللحوار بين المستهلكين والتجار، وبين الجميع والمسؤولين، ولهذا يبدأ المرشحون للانتخابات النيابية والمحلية وحتى الرئاسية بالنزول لهذه «الأسواق الشعبية» لعرض برامجهم الانتخابية، خاصة أنها نظيفة، ومنظمة، وحضارية، ولهذا ترتادها سيدات المجتمع لمتعة السوق، وللتواصل مع الآخرين. وحتى تكتمل، وتتبلور الفكرة.. أدعوكم للمشاركة بآرائكم وأفكاركم على بريدى الإلكترونى عاليه.. لنصل إلى إنشاء «أسواق شعبية» فى كل محافظات الجمهورية خلال الـ١٢ شهراً القادمة، لخدمة ٨٥ مليون مستهلك.. «يستنجدون» و«يستغيثون» من غلاء المعيشة!!

نقطة ضوء:

١- قرر محافظ الوادى الجديد «اللواء طارق المهدى» التعاقد مع مراكز البحوث لشراء مليون فسيلة نخيل من الأنواع المنتجة للتمور عالية القيمة، وغالية الثمن، والتى اقترحناها عليه، بعيداً عن الأنواع المحلية القديمة.

٢- قرر وزير الزراعة تبنى فكرتنا بزراعة ١٥ مليون شتلة زيتون، ليصبح لدينا ٣٠ مليون شجرة زيتون، علماً بأن سوريا زرعت منذ ٣ سنوات ٩٠ مليون شتلة زيتون.. عموما هذه بداية طيبة لتنفيذ بعض الأفكار التى تساهم فى التنمية الزراعية، وزيادة دخل المزارعين.